فتح حساب بنكي بالعملة الأجنبية في تونس… الشكندالي يقدم قراءة تحليلية شاملة لأثره على سوق الصرف
أثار الفصل الإضافي عدد 81، الذي صادق عليه نواب البرلمان خلال الجلسة العامة المخصّصة لمناقشة قانون المالية لسنة 2026، تفاعلًا لافتًا في الأوساط الاقتصادية والمالية، بعد أن أقرّ لأول مرة تمكين التونسيين المقيمين من فتح حسابات بالعملة الأجنبية أو بالدينار القابل للتحويل دون ترخيص مسبق من البنك المركزي، في إطار توجه يهدف إلى تحديث منظومة الصرف وتسهيل المعاملات المالية.
وجاءت هذه المصادقة بالتوازي مع نقاشات مكثفة حول الانعكاسات المحتملة للإجراء، وهو ما تناولَه أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي في تدوينة مطوّلة قدّم خلالها قراءة معمّقة تجمع بين الجوانب القانونية والمالية والتأثيرات المتوقعة على الاقتصاد الوطني.
وجاءت هذه المصادقة بالتوازي مع نقاشات مكثفة حول الانعكاسات المحتملة للإجراء، وهو ما تناولَه أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي في تدوينة مطوّلة قدّم خلالها قراءة معمّقة تجمع بين الجوانب القانونية والمالية والتأثيرات المتوقعة على الاقتصاد الوطني.
وينص الفصل الجديد على تمكين الأشخاص الطبيعيين من الجنسية التونسية والمقيمين في البلاد من فتح حسابات بالعملة أو بالدينار القابل للتحويل لدى البنوك، مع السماح بإيداع أموال قادمة من حسابات مماثلة أو من المنحة السياحية أو من الفوائد الناتجة عن التوظيفات المالية، إلى جانب إمكانية استعمال هذه الحسابات لتسديد المصاريف بالخارج أو الحصول على عملة للسفر، دون حاجة إلى أي ترخيص مسبق، مقابل إخضاع الفوائد لضريبة رمزية لا تتجاوز 0,01%.
وفي تعليقه على هذا التطور التشريعي، اعتبر الشكندالي أن الفصل 81 يأتي في ظرف اقتصادي دقيق تتسم فيه تونس بارتفاع العجز التجاري وتراجع الاحتياطات من العملة الصعبة رغم التحسن الظرفي لبعض المؤشرات على غرار عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج. وأضاف أنّ ضعف الموارد الطبيعية وتراجع إنتاج النفط والغاز واستمرار تعطل مستويات إنتاج الفسفاط كلها عوامل تجعل من أي إجراء متعلق بسوق الصرف محطّ متابعة دقيقة.
ورأى الشكندالي أن فتح الحسابات بالعملة دون ترخيص يمكن أن يمثّل خطوة إيجابية إذا تمَّ تنظيمه بصرامة، لما قد يوفره من فرص لتقليص اللجوء إلى السوق الموازية التي أصبحت — على حد وصفه — المصدر الرئيسي للعملة بالنسبة للأفراد والمؤسسات. وأوضح أن توجيه العمليات المالية نحو القنوات البنكية من شأنه أن يعزز الشفافية ويمنح الدولة قدرة أكبر على تتبع التدفقات، كما يشجع المواطنين على إيداع مدخراتهم بالعملة بدل الاحتفاظ بها خارج الدورة الرسمية، وهو ما يرفع السيولة المتاحة لدى البنوك ويعزز قدرتها على تمويل الواردات دون التأثير المباشر على مخزون البنك المركزي.
وأشار أيضًا إلى أن تسهيل المعاملات بالعملة وتمكين المواطنين من السفر أو الدفع بالخارج دون ترخيص قد يسهم في تحسين مناخ الثقة، كما قد يشجع الجالية التونسية بالخارج على استثمار مدخراتها محليًا، خاصة في ظل ارتفاع نسب الفائدة في تونس مقارنة ببعض الدول الأوروبية. ويرى الشكندالي أن هذا الإجراء يمكن أن يساهم كذلك في دمج السيولة غير المعلنة داخل المنظومة المالية، إذا رافقته حوافز ضريبية مناسبة، مما يرفع عدد الحسابات البنكية ويرسّخ الثقة في النظام المالي.
غير أن هذه الفرص، وفق تحليل الأستاذ الجامعي، لا تُخفي وجود مجموعة من المخاطر التي قد تمسّ التوازنات المالية الكبرى، من بينها إمكانية ارتفاع الطلب على العملة الصعبة بما يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي الوطني، خاصة إذا تم تمويل الحسابات بشراء العملة من السوق الموازية. كما نبّه إلى احتمال لجوء بعض الأفراد إلى تحويل أموالهم إلى الخارج في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي، الأمر الذي قد يضعف الدينار ويدفع نحو ضغوط تضخمية إضافية، فضلًا عن احتمال تقليص قدرة البنك المركزي على إدارة السياسة النقدية إذا خرج جزء من عمليات الصرف عن الرقابة المباشرة.
وأكد الشكندالي أن أي ارتفاع مفاجئ في السحوبات والتحويلات الخارجية قد يهدد صلابة القطاع المالي، وهو ما يستوجب — بحسب رأيه — وضع ضوابط دقيقة من قبل البنك المركزي، من ذلك منع تمويل الحسابات بشراء العملة داخليًا، ووضع سقف واضح للتحويلات، وتتبع حركة الأموال لضمان الشفافية ومنع المضاربة.
كما دعا إلى توفير حوافز إضافية للمودعين مثل نسب فائدة أعلى على الودائع بالعملة وتخفيض كلفة التحويلات الواردة من الخارج، إلى جانب رقمنة عمليات الصرف، معتبرًا أن نجاح الإجراء يظل مرتبطًا بقدرة الدولة على إرساء مجلة صرف جديدة تضمن توازنا بين تحرير المبادلات المالية والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
ورجّح الشكندالي في ختام تحليله أن يكون الفصل 81 خطوة متقدمة في مسار التحرير المالي التدريجي وتشجيع الادخار بالعملة، لكنه شدّد على أن نجاحه يتطلب رقابة دقيقة وإجراءات مرافقة تضمن عدم المساس باحتياطي البلاد من العملة الصعبة وعدم الإضرار باستقرار سعر الصرف، حتى لا يفقد البنك المركزي أدواته الأساسية في التحكم في التضخم وإدارة السوق النقدية.










Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 319990