حامد القروي يتكلم كما لم يتكلّم من قبل : نعم تمّ اعتقال ابني على خلفية علاقته بالنهضة

الصريح - كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن علاقة الدكتور حامد القروي الوزير الأول السابق والسيد حمادي الجبالي القيادي بحركة النهضة والمرشح لرئاسة الحكومة.
جريدة «الصريح» حرصت على البحث عن حقيقة وأسرار وتاريخ هذه «العلاقة» التي يصفها سي حامد بأنها «علاقة ودّ واحترام» فاتصلت بالوزير الأول السابق الذي تفضل مشكورا بالاجابة عن كل أسئلة «الصريح» بكل أريحية ودقة وصدق وصراحة.
جريدة «الصريح» حرصت على البحث عن حقيقة وأسرار وتاريخ هذه «العلاقة» التي يصفها سي حامد بأنها «علاقة ودّ واحترام» فاتصلت بالوزير الأول السابق الذي تفضل مشكورا بالاجابة عن كل أسئلة «الصريح» بكل أريحية ودقة وصدق وصراحة.
لست مستشارا أو مدرّبا للجبالي
ـ علاقتي بحمادي الجبالي تعود إلى الثمانينات
ـ تمّ اعتقال ابني على خلفية علاقته بالنهضة
ـ الفترة الحالية لا تتحمّل النزاعات الحزبية والحسابات الانتخابية الضيّقة
ـ كانت حركة الاتجاه الإسلامي مشروع حزب قبل السجون في عهد الرئيس بورقيبة فخرجت بعد السابع من نوفمبر كحزب ثان في البلاد
وفي ما يلي النص الكامل للحوار وهو حوار شيّق وممتع:
الصريح: كثر الحديث في الساحة السياسية عن علاقتكم مع السيد حمّادي الجبالي فما هي حقيقة هذه العلاقة؟
- سي حامد : أعرف السيد حمّادي الجبالي منذ 30 سنة تقريبا، وقد أكد ذلك بنفسه في تصريح لمجلة تونسية. كان ذلك في بداية الثمانينات، و كانت آنذاك معظم القيادات الإسلامية المعروفة معتقلة بعد الحملة التي شملتهم في صائفة 1981 إثر الإعلان عن تكوين "حركة الاتجاه الإسلامي". و كان السيد حمّادي الجبالي رئيسا للحركة بعد اعتقال الشيخ راشد الغنّوشي، وعبّر عن رغبته في الاتصال بمسؤول في الحزب الحاكم. تقابلت معه إذا بصفتي عضوا في الديوان السياسي بالاتفاق مع المرحوم السيد محمد مزالي الوزير الأول, إذ كنّا نعتبر أن قضية الإتجاه الإسلامي قضية سياسية لا تحلّ إلا سياسيا بالتشاور و تبادل الآراء وأن المحاكمات و المضايقات والقمع والاعتقالات والسجن في جلّ الحالات تأتي بعكس الهدف المبتغى. في 1983، كنت قابلت السيد حمادي الجبالي في السرية لأنّه كان آنذاك محل بطاقة جلب بعد أن اكتشف الأمن أنّه خلف الشيخ راشد الغنّوشي في رئاسة الحركة وذلك قبل أن يغادر البلاد في إتجاه المنفى. ثم بعد تولي بن علي الحكم، تمت المصالحة مع حركة الاتجاه الإسلامي (الذي غير اسمه لاحقا ليصبح "حركة النهضة " تماشيا مع القانون) بالإفراج على جميع مساجين الحركة. و قد انطلقت جهود المصالحة آنذاك مع السيد حمّادي الجبالي الذي رجع إلى البلاد. وقد كان في الأثناء يعبر الحدود خلسة ذهابا إيّابا و حتّى عبر المطارات، متنكّرا و بجوازات سفر متعدّدة. ترشحت حركة

الصريح: تحملت بعد ذلك مسؤولية وزارة العدل و في سنة 1989 عيّنت وزيرا أول
- سي حامد : نعم ورغم التفاؤل السائد آنذاك، فكنت غير مطمئننا على وضعية البلاد وعلى المشهد السياسي لأن الانتخابات كانت بمثابة مبايعة لرئيس الدولة إذ لم يترشح ضده أحد، بل سانده الجميع بما فيهم حركة النهضة، على أساس بيان السابع من نوفمبر. فهو إذا رئيس مبايع، وله مجلس نواب ذو لون واحد و حزب واحد مهيمن و لكنه مكبّل، ولم تكن هناك أية إمكانية لنقاش أو حوار أو رأي لسلطة مضادة أو حتى على الأقل تيارات داخل التجمّع. كنت أعتبر أنه من الضروري أن يكون هناك تيار مضاد وهذا التيار المضاد لا يمكن أن يكون إلا حزبا سياسيا و الحزب السياسي الوحيد الذي كان مؤهلا لهذا الدور بعد انتخابات 1989 هو حركة النهضة.

و لهذه الأسباب اقترحت على الرئيس السابق ربط قنوات الاتصال مع قيادة الحركة و الاستماع إلى آرائهم. فكان لي ذلك والتقيت مجددا بالسيد حمادي الجبالي، هذه المرة بصفتي وزيرا أول، وتحصلت من الرئيس السابق إثر هذه اللقاءات على منح حركة النهضة رخصة لإصدار جريدة "الفجر" كخطوة أولى تمكنهم من التعريف ببرنامجهم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. وفعلا تسلم السيد حمادي الجبالي رخصة الجريدة في جانفي 1990 من السيد الشاذلي النفاتي وزير الداخلية آنذاك، و الذي كان – والحق يقال - وزيرا ذا سمات خاصة، رجلا سياسيا و متفتحا (و لهذا السبب لم يدم طويلا على رأس الوزارة !!). و لكن مع الأسف الشديد لم تدم هذه التجربة طويلا حيث تمت محاكمة جريدة "الفجر" في شخص مديرها المسؤول السيد حمّادي الجبالي الذي حكم عليه بالسجن. بعد ذلك شنّت حملات اعتقال و تعذيب واسعة في صفوف قيادات حركة النهضة في نهاية 1990 و بداية 1991، تلتها أعمال عنف مضاد (مثال حادثة لجنة تنسيق التّجمّع بباب سويقة) من بعض شباب النهضة المنقطع عن قيادته المعتقلة و الملاحقة، و تمت المحاكمات و السجن على نطاق واسع.
و رغم ذلك واصلت جهودي مع بن علي، مبرزا أنّه رغم اللجوء إلى المعالجات الأمنية لاستتباب الأمن واحترام القانون، فإنّه من مصلحة البلاد إيجاد حل سياسي على غرار المبادرة الديمقراطية التي انطلقت مع الاعتراف بحركة الديمقراطيين الاشتراكيين في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة (و التي مع الأسف أجهضت بتزوير انتخابات 1981). كنت مقتنعا بضرورة إيجاد معارضة جدّية تمارس دورها الكامل. و لو نجحت المبادرة مع حركة النهضة لتلاها حتما الاعتراف بأحزاب أخرى يسارية، ليبرالية، و قومية... و لكنا دخلنا في عهد التعددية و الديمقراطية بفضل هذه الأحزاب والصحافة التابعة لها. لقد كانت فرصة ثانية ضاعت على تونس لتغيير وجه البلاد و تجنب اللجوء إلى السجون و التعذيب.
كانت حركة الاتجاه الإسلامي مشروع حزب قبل السجون في عهد الرئيس بورقيبة فخرجت بعد السابع من نوفمبر كحزب ثان في البلاد. ثم دخلت النهضة سجون بن علي في مرتبة الحزب الثاني و خرجت منه في مرتبة الحزب الأول لمباشرة الحكم بعد الثورة.
الصريح: هناك موضوع آخر يتعلق بعلاقة أحد أبنائك بحركة النهضة، فهل من تعليق على ذلك ؟
- سي حامد : أود في هذا الصدد أن أوضح أن ابني نجيب كبقية إخوته تربّى على يدي والدته تربية قويمة وبارك الله فيها و "يعطيها الصحة"، إذ كانت لي في السبعينات والثمانينات مشاغل كثيرة : رئيس قسم بمستشفى سوسة ولي عيادة خاصة (كان في ذلك الوقت مسموحا به)، والبلدية و النجم الرياضي الساحلي و مجلس النواب و الديوان السياسي ... ولكن لما كبر أبنائي قليلا 13 – 14 سنة، أصبحت أتعامل معهم كأخيهم الأكبر. التقى نجيب سنة 1980 بالسيد حمادي الجبالي الذي كان يقطن في نفس الحي و يترددان على نفس المسجد و ربطتهما علاقات صداقة و أخوّة (و هو الذي عرّفني به سنة 1983). و انخرط نجيب شيئا فشيئا في نشاطات الحركة الإسلامية آنذاك، و انضم إلى "الاتّجاه الإسلامي" عند التحاقه بكلّية الطب بسوسة أواخر 1980 و انتخب باسم هذه الحركة ممثّلا للطلبة في المجلس العلمي في سنته الثانية من دراسة الطب. و كنت أحترم اختياراته وحرية انتماءاته. وفي سنة 1987، أرسلته إلى الجزائر عند البروفيسور بيار شولي للاختصاص في الأمراض الصدرية "ليرث" اختصاصي. وقد تعرض ابني إلى بحث أمني من طرف الأمن الجزائري في جويلية 1989 و كان ذلك بإيعاز من المصالح الأمنية التونسية التي نسّقت مع الأمن الجزائري لاعتقاله عند عودته للجزائر بعد عطلة قضاها في تونس. و في اعتقادي لم يكن ابني هو المستهدف الأول و إنّما كنت أنا المستهدف من طرف بعض "الأصدقاء" في السياسة التونسية. وبعد 17 يوما من الإيقاف الانفرادي عند الأمن العسكري، لم يجدوا ضده أي شيء وأطلق سراحه مع طمأنته بإمكانية مواصلة تكوينه الطبي في الجزائر ولكنه خير السفر أواخر 1989 إلى باريس ليتلقى تكوينا في الإنعاش و الطب الإستعجالي. وهو اليوم أستاذ مبرز في كلية الطب بسوسة في هذا الاختصاص الذي أسّسه قانونا. و إلى جانب هذا فقد تم استنطاقه مرّتين في وزارة الدّاخلية التّونسية : مرّة في عهد بورقيبة في صائفة 1984 (على خلفية المساهمة في طبع كتاب سرّي لحركة الاتجاه الإسلامي) و مرّة في عهد بن علي في صائفة 1989 بعد عودته من الاعتقال في الجزائر.
و أود أن أشير في هذا الصدد أنّه في سنة 1984 و في نفس القضية تم إيقاف واستنطاق صهري السيد التيجاني الحداد (و هو صاحب مطبعة) لمدّة أسبوعين من أجل طبع كتاب سري بمناسبة الذكرى الثالثة لتأسيس حركة الاتّجاه الإسلامي، وذلك بتوصية من ابني نجيب. فإن السيد التيجاني الحدّاد له علاقة قديمة بالسيد حمادي الجبالي منذ بداية الثمانينات حيث كانت كل مطبوعات الحركة تطبع في مطبعته إيمانا منه بحرية النشر (حتّى انكشاف الأمر صائفة 1984 اعتقاله). والدليل على ذلك أن العديد من جرائد المعارضة على غرار جريدة الرأي و وجريدة المستقبل والوطن والطريق الجديد طبعت في مطبعته.
الصريح: كيف تقيمون المشهد السياسي بعد الثورة و انتخابات المجلس التأسيسي ؟
- سي حامد : أصبحت اليوم التعددية السياسية واقعا ملموسا ودخلنا في عهد الديمقراطية بفضل ثورة الشعب والشباب خاصّة، و كأنه يأس من الطبقة السياسية فأخذ بزمام أموره بنفسه. و ينبغي أن نقف إجلالا و ترحّما على أرواح الشهداء الأبرار الذين ضحّوا بحياتهم من أجل إنقاذ تونس والتحقوا بقوافل شهداء الوطن الطويلة و الممتدّة في الزمن. و قد تمت انتخابات نزيهة و شفافة و قال الشعب فيها كلمته و ساهم بكل انضباط و كفاءة، و لنا أمل كبير في أن تصبح تونس فعلا بلدا ديمقراطيا. لقد دخلنا في التعدّدية و ينبغي أن نتعلّم الآن الممارسة الديمقراطية و نفرّق بين الديمقراطية بما تحتويه من حرية التعبير و حرية التظاهر و بعض من أنواع الفوضى التي نلاحظها مع كل أسف هذه الأيام. و ما أحوجنا اليوم إلى استتباب الأمن الذي هو ليس من مسؤولية الحكومة فقط، و لكنه من مسؤولية الأحزاب السياسية و المجتمع المدني الذين لهم دور التأطير و التوعية.
و إنّي بهذه المناسبة أعبر عن شكري للحكومة المؤقّتة التي أوصلت البلاد إلى شاطئ السلامة، و أتوجه كذلك بالشكر إلى كل الأحزاب منها من أقدمت على تحمّل أعباء الحكم و منها من يمارس معارضة ايجابية و يقظة وبناءة. و أتمنى أن تضع كل الأحزاب اليد في اليد من أجل إنقاذ تونس.
فعلا فان الفترة الحالية التي تمر بها بلادنا دقيقة وحرجة ولا تتحمل النزاعات الحزبية والحسابات الإنتخابية الضيقة ولا أرى فروقا جوهرية عند الإطلاع على مختلف البرامج إلا فيما يخص الاختيار بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني. صحيح أن الشعب التونسي لا يزال تحت صدمة النظام الرئاسي ولكن لا ينبغي أن ننسى أن الرئيسين السابقين وصلا إلى سدة الحكم في ظروف استثنائية : الأول محرر البلاد والمرأة ومؤسس الجمهورية الأولى ومشيد الدولة العصرية على أسس ثابتة (فكان بمثابة المستبد المصلح) لكن المرض والسن والبطانة الفاسدة تسببوا له في نهاية لا ترتقي إلى ما قدمه لتونس فكان بذلك ضحية الرئاسة مدى الحياة. والثاني اعتبرته أغلبية الشعب التونسي في البداية منقذا للبلاد ولكن وبكل أسف انزلق تدريجيا نحو دكتاتورية أدت به إلى الفساد بجميع أنواعه وإلى الهروب المذل. وفي هذه المرة المنقذ كان الشعب نفسه، وخاصة الشباب الذي أشعل ثورة الحرية والكرامة.
و في هذا المجال فإنّي أرى من الأفضل انتخاب رئيس الجمهورية من طرف الشعب مباشرة بدون أن تكون له الصلاحيات المؤدية إلى الاستبداد فيكون بذلك نظاما رئاسيا معدّلا.
الصريح: لو عدنا إلى دوركم بعد الثورة خاصة لدى السيد حمّادي الجبالي والذي تمت في شأنه بعض التسريبات؟
- سي حامد : لمّا قامت الثورة وجدتني إنسانا متقاعدا أتأمّل المشهد السياسي و أحاول المساهمة بما أقدر عليه لمصلحة وطني. أما أن أكون كما قيل مستشارا أو "مدرّبا" للسيد حمّادي الجبالي فهذا تضخيم وافتراء. كنّا باتصال مباشر و تدخّلت و قمت ببعض المساعي التي تفرضها مصلحة البلاد و كان ذلك قبل تسلّم الحركة للتأشيرة القانونية. ثم تلاقينا لاحقا في منزلي في عدد من المناسبات على سبيل الصداقة القديمة و دردشنا و تبادلنا الآراء و الرؤى حول مستقبل البلاد، كرجلين سياسيين يعنيهما مصير هذا الوطن و يتحاوران حوله. وهذا أمر عادي بين رجلين تربطهم علاقة ودّ و احترام واللذين خاطرا في الثمانينات بمقابلة بعضهما في السرية. و لست مستشارا ولا مدرّبا، فحركة النهضة لها من القيادات والإطارات المقتدرة التي ليست في حاجة إلى ذلك.
وواجبنا اليوم أن نساند أية حكومة تعمل لصالح الشعب، ومن يعمل من أجل إفشالها يتحمل مسؤولية كبيرة ويعمل في الواقع من أجل انهيار بلاده ولا يجوز في هذه الفترة حتى "الجلوس على الربوة".
الصريح: هل تنوون نشر أمّا مذكّراتكم؟
- سي حامد : في الحقيقة ما قرأته لدى من نشروا مذكّراتهم لا يشجع على ذلك، فقد اكتشفت عند إطلاعي على بعض المذكرات "زعماء" ادّعوا أنهم كانوا محور كل شيء، كما التجأ البعض منهم إلى طمس الحقائق و بث الأباطيل. ولذلك لا أظن أنّني سأنشر مذكّراتي، بل ربّما سوف أقف على بعض الأحداث التي لها وزنها أو بعض الخفايا يمكن أن أبوح بها يوما ما. و لكن في الوقت الحالي ليس لي استعداد لذلك.
الصريح: حديث من هنا و هناك عن القدامى الذين عادوا بصفة أو بأخرى على الساحة و يصنعون بعض الأحداث. ما قولكم في هذا؟
- سي حامد : ذكرت إحدى الصحف أن بعض القدامى مازالوا موجودين في الساحة السياسية وهم محل احترام و تقدير. و فعلا فإن المناضلين مثل السادة: مصطفى الفيلالي و أحمد المستيري و أحمد بن صالح و كذلك السيد الوزير الأول الباجي قايد السّبسي و السيد الرئيس فؤاد المبزّع أعطوا الكثير و بقوا محلّ احترام. وأقول هنا، كما يقال أن "الرياضة أخلاق أو لا تكون"، فإن "السياسة أخلاق أو لا تدوم". نحن مناضلون منذ عهد الاستعمار لنا ثوابتنا و كنّا دائما نعمل لمصلحة تونس و تفانينا من أجلها.
ترافقنا في فترة الدراسة في فرنسا و ناضلنا معا و عشنا هناك الديمقراطية بانتخاباتها التعدّدية وحواراتها، و كنّا نحلم بإرسائها في بلادنا. و لكن رغم أن الأمور لم تسر في هذا الاتجاه، فإنّنا عملنا من المواقع العديدة بكل حماس و تفان، و "ما دامت الأيادي نظيفة والضمير مرتاحا، فان الرأس دائما مرفوع".

Comments
79 de 79 commentaires pour l'article 42730