اقتناء المستلزمات المدرسية من السوق الموازية "اضطرار لا اختيار" لعديد العائلات التونسية

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/66e6f873a4d853.13818459_nmlfegkjiohpq.jpg width=100 align=left border=0>
تكتظ أنهج وسط العاصمة بطاولات خشبية منتشرة على الأرصفة ومغطاة بقطع بلاستيك أو قماش، وفوقها تتكدّس أكوام من مختلف الأدوات المدرسية بألوان زاهية جذابة، حيث تتنوع المنتجات المعروضة بين حقائب مدرسية مزخرف


(وات - تحرير مريم مطيراوي) - مع اقتراب العودة المدرسية، تشهد الأسواق الشعبية ازدحاماً كبيراً وحركة نشيطة، وتتحول وجهة رئيسية لعديد العائلات التونسية التي تبحث عن اقتناء المستلزمات المدرسية لأبنائها بأسعار "منخفضة"، متجاهلة المخاطر الصحية والجودة المتدنية لهذه المنتجات.

وتكتظ أنهج وسط العاصمة بطاولات خشبية منتشرة على الأرصفة ومغطاة بقطع بلاستيك أو قماش، وفوقها تتكدّس أكوام من مختلف الأدوات المدرسية بألوان زاهية جذابة، حيث تتنوع المنتجات المعروضة بين حقائب مدرسية مزخرفة برسومات شخصيات كرتونية، ودفاتر بأغلفة لامعة، وأقلام ملونة بأحجام وأشكال مختلفة.

...

ففي سوق "سيدي بومنديل" بتونس العاصمة، تتعالى أصوات الباعة وهم يهتفون بعبارات تشجع على اقتناء سلعهم، ويملأ المكان صراخ الأطفال وهم يطلبون بكثير من الحماس والفرح من أوليائهم شراء حقائب وأدوات تحمل صور وشعارات الشخصيات الكرتونية المفضلة لديهم.

ورغم الطابع العشوائي لهذه الحركة التجارية، يحكم نوع من "النظام الخفيّ" هذه السوق، إذ يعرف كل بائع مكانه وحدود مساحته وتتوحّد الأسعار بينهم، بينما يتجول الزبائن بين الدكاكين والطاولات بإيقاع متسارع للحصول على أفضل العروض وإتمام مشترياتهم والتفاوض في جل الأحيان مع الباعة، في محاولة للتمتع بخصم إضافي.

وتظل الأسعار "المغرية" الدافع الرئيسي للإقبال على الأدوات المدرسية المعروضة في الأسواق الموازية، من عديد العائلات التونسية التي تسعى لتلبية حاجيات أطفالها بما يتماشى ومقدرتها الشرائية، متجاهلة بذلك المحاذير بشأن المخاطر الصحية لهذه المنتجات التي لا تخضع للرقابة ومجهولة المصدر ولا تحمل علامة تجارية أوبيانات حول جودتها أو سلامة مكوناتها.

السوق الموازية للمستلزمات المدرسية "شر لا بد منه"

تقدم أحمد ذو العشر سنوات من "نصبة" يعرض صاحبها أدوات مدرسية تتخذ أشكال فاكهة واخرى على شكل حلوى وأقلام بنكهات فواحة واخرى على شكل قارورة مشروبات، وراح يقلبها واختار منها أقلاما لبدية برائحة الفراولة طالبا من أمه بإلحاح شراءها فلبت رغبته دون أي محاولة لمعرفة مصدرها او الإطلاع على البيانات المكتوبة على المنتوج.

وأوضحت أحلام أم تلميذة في السنة الثانية ابتدائي أن توجه الأولياء إلى الأسواق الموازية "اضطرار لا اختيار" فالاسعار المشطة للمستلزمات المدرسية في السوق المنظمة يجعل الولي مجبرا على اللجوء الى السوق الموازية، رغم وعيه بالمخاطر الصحية التي قد تمثلها هذه المنتوجات، قائلة ان اقتناء المواد من هذه الأسواق "شر لا بد منه".

وشاطرت فاطمة أحلام الرأي قائلة "الحقيقة لم نعد قادرين على اقتناء مستلزمات العودة المدرسية من المكتبات والمغازات" مضيفة وهي تجوب أزقة سوق "بو منديل"، "في السنوات الأخيرة، ارتفعت أسعار المواد المدرسية بشكل كبير وتجاوزت المقدرة الشرائية للموظف من الطبقة المتوسطة والعامل فما بالك بالطبقات الفقيرة التي قد تُجبر أبناءها على الإنقطاع عن الدراسة بسبب عوامل مادية".

واعتبرت فاطمة وهي ام ثلاثة اطفال في سن الدراسة أن الأدوات المعروضة في الاسواق الشعبية "لا يمكن أن تحمل أي خطورة على صحة الأطفال وهي ذاتها التي تباع في المسالك المنظمة والفرق الوحيد هو السعر".

وتقول الباحثة في علم الإجتماع، آية بن منصور، في تصريح لـ(وات)، أن الأسرة التونسية تعيش تحديات كبيرة من أجل تلبية الاحتياجات اليومية خاصة في ظلّ غلاء المعيشة، حيث بلغت نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي 6.7 % في شهر أوت 2024 وفق المعهد الوطني للإحصاء إلى جانب إرتفاع أسعار الأدوات المدرسية.

ويلجأ التونسي إلى السوق الموازية التي تشكّل تقريبا 60 % من الاقتصاد التونسي حسب تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من أجل المحافظة على شراء المستلزمات المدرسية بأسعار تتماشى مع قدرتهم الشرائية.

من ناحية أخرى، اعتبرت المختصة أن هذا السلوك الاقتصادي جزء من ثقافة استهلاكية شعبية ترى في التفاوض والمساومة في السوق الموازية جزءا من حياتها اليومية ووسيلة لتحسين ظروف المعيشة في "ظل غياب دعم الدولة"، وفق قولها.

كما تعدّ السوق الموازية ملجأ للفئات المهمّشة اقتصاديا سواء من الباعة أو الحرفاء، وهي جزء من اقتصادهم اليومي "وبالتالي، فإن هذه السوق ترمز ضمنيا إلى التكافل الاجتماعي والاقتصادي بين هذه الفئات الاجتماعية في ظلّ تراجع دور الدولة الراعية".

المستلزمات المدرسية في السوق الموازية تهدد صحة الناشئة والنمو الإقتصادي

ومن جهة أخرى، شدد مواطن خمسيني أب ل 3 أبناء يدرسون في التعليم الثانوي، التقته "وات" في سوق "بو منديل"، على انه يجب الامتناع عن شراء أي منتجات تعرض في السوق الموازية لأنها معاملات تجارية لا تدفع الآداءات وتضر بالإقتصاد التونسي.

وقال انه يحبذ شراء الأدوات من الفضاءات القانونية نظرا "لجودتها" ودرءا للمخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها الأدوات المدرسية المعروضة على الطريق دون "رقيب"، حسب تعبيره.

وذكرت الباحثة في علم الإجتماع أن المواد المعروضة في السوق الموازية تهدد صحة الأطفال نظرا لكونها لا تخضع إلى الرقابة على الجودة ومعايير الأمان، إذ قد تحتوي هذه المنتجات على سموم ومواد كيميائية خطرة من شأنها أن تؤثر سلبا على صحة الطفل على المدى الطويل.

وعلى مستوى اقتصادي، يهدّد الاقتصاد الموازي النمو الاقتصادي، كما يعزّز ثقافة التهرب من القوانين واللوائح الرسمية نظرا لعدم خضوع المواد المعروضة إلى النظام الضريبي وهو ما يشكّل عائقا أمام الاستثمار الأجنبي والمحلي.

وأكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، أن غلاء الأسعار دفع بالمواطنين إلى الالتجاء إلى السوق الموازية، مشيرا إلى أن المستلزمات المدرسية التي يتم بيعها خطيرة ومجهولة المصدر نظرا لكونها مقلدة ومهربة.

وتابع قوله في تصريح ل(وات) إن عامل الجودة غائب في هذه المواد، داعيا الدولة إلى مزيد بذل الجهود من أجل توعية المواطن التونسي بمخاطر هذه السلع.

واعتبر أن عدم تحديد سقف هامش الربح من الدولة يُعد أحد أسباب إرتفاع الأسعار، مشددا على أهمية تدخلها لهيكلة السعر في جميع الخدمات والمساهمة في التشجيع على إستهلاك المنتوج التونسي.

يذكر أن وزارتي الصحة والتجارة دعتا الأولياء إلى ضرورة اقتناء المواد المدرسية من المسالك المنظمة والخاضعة للرقابة، موصيتين بتجنب شراء الأدوات المدرسية التي تتخذ رائحة أو لونا أو مظهرا أو تغليفا أو تأشيرا يؤدي بالتلميذ إلى الخلط بينها وبين المواد الغذائية مثل الممحاة على شكل فاكهة أو حلوى أو اللصاق المعلب على شكل رضاعة أو قارورة مشروبات، وما قد ينجر عن ذلك من مخاطر الاختناق أو التسمم أو انسداد في الجهاز التنفسي أو الهضمي.




   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 294061


babnet
All Radio in One    
*.*.*