مدنين: المسلمون واليهود في جزيرة جربة يتقاسمون الآلام والأوجاع كتقاسمهم المكان والأعمال

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/alharalikbiraaaaa.jpg width=100 align=left border=0>


فتحت كل محلات بيع المصوغ بجربة حومة السوق أبوابها، اليوم الخميس، بعد أن اغلقتها أمس تعبيرا من أصحابها، وجلّهم من يهود جربة، عن أسفهم وألمهم لفقدان اثنين من أبنائهم في حادثة جربة، سيما وأنّ أحدهم رفيقهم في هذه الحرفة التي يمارسونها منذ القدم وعرفوا داخل الجزيرة باتقانهم إياها.

سيون أحد هؤلاء تجار كان دائما ومازال محلّ ثقة كثيرين من المسلمين الذين يقبلون عليه لشراء الذهب او لبيعه، وتربطه بهم علاقات صداقة وطيدة، وغيره يهود كثيرون ممن تتردّد عليهم النساء في جزيرة جربة لشراء المصوغ او لاستشارتهم حول نوعية الحلي ذهبا كان او فضة.
وعلى طول نهج بنزرت، الذي عرف بسوق المصوغ، وقف تجار جرابة (التسمية المحليّة لسكّان جزيرة جربة) لا تفرق بينهم مسلما او يهوديا يتبادلون الحديث والتعازي، فالهم واحد والمصاب واحد، حسب أحدهم الذي عبّر عن استيائه للحادثة، مؤكدا "أنها لن تفسد الودّ بين أهالي الجزيرة، فالعلاقة بين مسلمي جربة ويهودها قديمة عراقة هذه الجزيرة".
...

لا تزال الحادثة محور حديث التجّار كل يطرحها من وجهة نظره ومن زاويته الخاصة، وقد تتباين الرؤى لكن يجمعهم تعلّقهم بهذه الجزيرة وحبهم لها وسعيهم على ان يظل التعايش داخلها شعارا وممارسة، وفق ما اكده عدد منهم في تصريحات متطابقة لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.
لم تنقطع الحركة داخل هذه السوق بين تونسيين وسياح أجانب فالحركة حثيثة في هذا النهج "نهج بنزرت" كمعظم الايام وخاصة في مثل هذه الفترة من السنة التي تسبق الصيف موسم الاعراس والمناسبات، حيث يقتني المقبلون على الزواج المصوغ، كما أن هذه السوق بما تحتويه من محلات بيع الصناعات التقليدية التي تمتد مع سوق الربع تمثل وجهة السياح ومقصدهم للزيارة او لاقتناء منتوجات حرفية يدوية في كثير منها خصوصيات جزيرة جربة.
وفي منطقة الرياض، التي يقع فيها معبد المغريبة المغلق أمام الزوار منذ الحادثة وإلى اليوم، والذي لا يزال تحت حراسة أمنية لكنها غير مكثفة، تتواصل الحياة عادية فداخل الحارة الصغيرة يتجاور يهود ومسلمون ويتقاسمون الآمال والآلام.
جلست عزيزة شابة يهودية امام بيتها لتلتحق بها جارتها وهي مسلمة تسأل عن احوالها وتطمئن على كل العائلة، فهي تعرف ان والد عزيزة احد مسؤولي معبد الغريبة هو من يفتح ابوابه ومن يغلقه ليكون آخر من يغادر المعبد.
في هذا الحي لا تفرق بين بيت مسلم او يهودي كل المنازل ابوابها مفتوحة ولا تفرق بينها الا ببعض العلامات التي تعوّد اليهود ان يضعوها اما على الباب الرئيسي للمنزل او على جدرانه لكنهم اجتمعوا على الانسجام وتبادل التحايا وحتى الزيارة والمشاركة في الافراح والاتراح، وفق احمد احد ابناء المنطقة.
استنكر الجميع بشدة حادثة جربة التي تعوّد أهلها العيش المشترك وجعلوا من التسامح قيمة أساسية في التعامل بينهم دون اختلاف أو تفريق بين أديان او مذاهب، فالجزيرة تتّسع للجميع من يهود ومسيحيين ومسلمين اباضية ومالكية، لكل موقع داخلها أين تلتقي جاليات كثيرة جمعتها قواسم مشتركة وربطتها التجارة وتقاسمت الادوار في تكامل وانسجام، فبنيت المساجد المالكية والاباضية، وقربها شيدت الكنائس والمعابد اليهوديّة التي تشهد الى يوم أن جربة كانت على مرّ العصور مثالا للتعايش واحترام الاخر.
فقرب معبد الغريبة يوجد جامع بن يعلى وهو جامع قديم تاريخي اباضي في دلالة على تاكيد ان جربة الجزيرة المحافظة على هويتها والجزيرة المحطة لثقافات واديان ولغات وحضارات ومذاهب، ولعل ابرز مكونات هذه الهوية الجربية هو التنوع الثقافي الديني الاسلامي اليهودي المسيحي وفق معطيات أوردتها ثلة من الباحثين والجامعيين خلال نشاط ثقافي انتظم على هامش الزيارة السنوية للغريبة بجربة.
وخلص هذا النشاط العلمي إلى ان جربة تعدّ "مخبرا" للتعايش العميق الموغل في القديم والمتجذر باعتباره نابعا من مصالح مشتركة، مستعرضا في جانب تاريخي ان الجالية اليهودية تواجدت منذ القرن الـ11 بجربة ورحب بهم السكان الاصليون من اباضية وبربر وتعاملوا معهم واقاموا معا مشاريع وتجارب اقتصادية مختلفة، حيث سيطر الاباضيون على التجارة الصحراوية في القرن العاشر فيما ابدع اليهود في التجارة البحرية ليتبادلوا البضائع والمصالح وتعاملوا معا لقرون عديدة.
واكد المختصون ان جربة من الجزر النادرة التي تجمع بين الانفتاح والمحافظة، نتيجة وجود منطقة وسطى ونقطة التقاء انبنت على الاشتراك في المصالح وما فرضته من قبول للاخر، وهذه المنطقة الوسطى جعلت التجربة تنجح في إعطاء المثال لهذا التعايش وتصبح نموذجا في العيش المشترك.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 266421


babnet
All Radio in One    
*.*.*