الFCR العائلة : كابوس لمالية الدولة أم تهديد لأرباح وكلاء السيارات؟
بقلم حاتم بولبيار
أثار مقترح تشريعي تقدّم به عدد من النواب في تونس جدلاً واسعًا، بعد أن تضمّن إقرار امتياز جبائي وديواني جديد يمكّن كلّ عائلة مقيمة في تونس من اقتناء سيارة بشروط ميسّرة، على غرار نظام الـFCR الذي يُمنح للتونسيين المقيمين بالخارج.
أثار مقترح تشريعي تقدّم به عدد من النواب في تونس جدلاً واسعًا، بعد أن تضمّن إقرار امتياز جبائي وديواني جديد يمكّن كلّ عائلة مقيمة في تونس من اقتناء سيارة بشروط ميسّرة، على غرار نظام الـFCR الذي يُمنح للتونسيين المقيمين بالخارج.
بين تحذيرات وزارة المالية من “خطر داهم” على المالية العمومية، وبين من يعتبر أنّ المتضرّر الحقيقي هم وكلاء بيع السيارات، يفرض هذا المقترح قراءة هادئة وموثّقة بالأرقام.
أوّلًا: مضمون مقترح “FCR العائلة”
يقترح النواب تمكين كل عائلة مقيمة في تونس من:• التمتّع بامتياز جبائي وديواني استثنائي مرّة واحدة في الحياة لاقتناء سيارة.
• أن تكون السيارة:
• أقل من 8 سنوات من تاريخ الجولان،
• سعة المحرك لا تتجاوز 1.4 لتر (بنزين)،
• ولا تتجاوز 1.7 لتر (مازوط).
أي أنّه، عمليًا، نظام FCR موجّه للتونسيين المقيمين داخل البلاد، مع شروط قريبة من تلك المعتمدة بالنسبة إلى التونسيين المقيمين بالخارج مع فارق في سنّ السيارة.
ثانيًا: موقف وزيرة المالية وحججها
خلال الجلسة العامة وقبل التصويت، دعت وزيرة المالية النواب إلى عدم المصادقة على هذا المقترح، وقدّمت ثلاث حجج رئيسية:1. تأثيره على الميزان التجاري
أكّدت الوزيرة أنّ هذا الامتياز سيعمّق عجز الميزان التجاري، وأشارت إلى أنّ محافظ البنك المركزي “لا ينام الليل” عندما يتراجع مخزون العملة الصعبة.
2. تراجع المداخيل الجبائية
اعتبرت أنّ هذا الفصل يمثّل خطرًا على توازنات الميزانية، بسبب ما سينجرّ عنه من نقص في المداخيل الجبائية المتأتّية من قطاع وكلاء السيارات.
3. الحاجة إلى نصوص ترتيبية
أوضحت أنّ تطبيق هذا الإجراء يتطلّب إصدار نصوص ترتيبية، وأنّ غيابها يجعل تنفيذ القانون معقّدًا.
إلّا أنّ مداخلة الوزيرة، رغم حدّة لهجتها وتحذيراتها، لم تتضمّن أرقامًا دقيقة أو دراسات معلنة تبيّن الحجم الحقيقي للكلفة أو الأثر على المالية العمومية.
ثالثًا: الميزان التجاري واحتياطي العملة الصعبة – ماذا تقول الأرقام؟
وفقًا لمعطيات قطاع السيارات:• في سنة 2024:
• استورد الوكلاء حوالي 57 ألف سيارة
• بقيمة تقدّر بـ 5470 مليون دينار.
• في سنة 2022:
• تم توريد حوالي 55 ألف سيارة
• بقيمة 4238 مليون دينار.
أي أنّ كلفة توريد السيارات ارتفعت في سنتين بنحو 1332 مليون دينار.
أمّا في عشرة أشهر من سنة 2025 فقط، فقد:
• بلغت قيمة توريد السيارات حوالي 6000 مليون دينار،
• بزيادة تقدّر بـ 2200 مليون دينار مقارنة بالأشهر العشرة الأولى من سنة 2022 (3800 مليون دينار).
هذا يعني أنّ قطاع توريد السيارات سجّل في ظرف سنتين تقريبًا زيادة تقارب 60% في قيمة التوريد، دون أن يُطرح الملف بنفس الحدّة عندما يتعلّق الأمر بالوكلاء، بينما تم توظيف حجة “استنزاف العملة الصعبة” بقوّة ضدّ مقترح FCR العائلة.
من جهة أخرى، يوجد ما يقارب 1.8 مليون تونسي مقيم بالخارج. وإمكانية اقتناء سيارات لفائدة عائلاتهم المقيمة في تونس، باستعمال مدّخراتهم بالعملة الأجنبية، تعني عمليًا:
• ضخّ عملة صعبة من الخارج،
• تمويل جزء من عمليات التوريد دون الاعتماد فقط على الموارد الداخلية من العملة الصعبة.
بالتالي، القول بأنّ FCR العائلة يمثّل وحده خطرًا على احتياطي الدولة من العملة الصعبة يبقى طرحًا ناقصًا، خاصة إذا لم يُرفق بتقديرات كمية واضحة.
رابعًا: الجباية وأرباح الوكلاء – تقدير الكلفة الفعلية
النقطة الأكثر وجاهة في خطاب وزيرة المالية هي مسألة النقص في المداخيل الجبائية، ولكن دون أرقام لا يمكن تقييم الخطر بموضوعية.بما أنّ الوزارة لم تقدّم تقديرات علنية، يمكن الاعتماد على المعطيات المتوفّرة من:
• أرقام الديوانة بخصوص قيمة التوريد،
• المعطيات المالية لوكلاء السيارات المدرجين في بورصة تونس.
1. عيّنة من الوكلاء المدرجين في البورصة
من بين وكلاء السيارات في تونس، نذكر:• شركة Artes (وكيل Renault)
• شركة City Cars (وكيل Kia)
• شركة STA (وكيل Chery)
• شركة Ennakl (وكيل VW وAudi)
وفق القوائم المالية لسنة 2024، فإنّ هذه الشركات الأربعة:
• حقّقت رقم معاملات إجماليًا في حدود 1322 مليون دينار،
• بهامش ربح يقارب 225 مليون دينار،
• أي بنسبة هامش ربح تقارب 17%،
• وصرّحت مجتمعة بضريبة على الشركات تقدّر بـ 47 مليون دينار.
وبما أنّ هذه الشركات تمثّل تقريبًا ربع السوق، يمكن استعمال قاعدة التناسب لتقدير أرقام القطاع كاملًا:
• تقدير هامش الربح الإجمالي لقطاع وكلاء السيارات يقارب: 1080 مليون دينار.
• تقدير مجمل الضريبة على الشركات للقطاع: حوالي 227 مليون دينار.
هذا الرقم يفسّر جزئيًا سبب قوّة لوبي القطاع ودفاعه عن وضعيته الحالية، باعتبار أن هامش الربح الجملي في حدود 1080 مليار مليم رقم ضخم.
2. تقدير النقص في الأداءات غير المباشرة
بالنسبة إلى الامتيازات التي يمنحها مقترح FCR العائلة:• الأداء على القيمة المضافة (TVA):
• النسبة العادية: 19%
• النسبة على السيارات FCR العائلة: 7%
النقص: 12 نقطة مئوية.
• المعاليم الديوانية:
• المعدّل الحالي التقديري: 15%
• السيارات FCR العائلة معفاة أو مخفّضة
• معلوم الاستهلاك:
• المعدّل الحالي لبعض الفئات: نحو 25%
• سيارات FCR العائلة: 10%
النقص التقديري: 15 نقطة مئوية.
بتجميع هذه العناصر، يمكن تقدير النقص الجملي في الأداءات بنحو 42% من قيمة السوق.
إذا اعتبرنا أنّ قيمة سوق توريد السيارات في حدود 6400 مليون دينار، فإنّ:
• النقص الأقصى في الأداءات لو تم توريد 100% من السيارات عبر FCR العائلة يساوي:
2688 مليون دينار.
لكن هذا سيناريو افتراضي مبالغ فيه.
إذا افترضنا أنّ FCR العائلة يستحوذ على 10% من السوق فقط:
• النقص في الأداءات غير المباشرة 269 مليون دينار.
• النقص في الضريبة على الشركات 23 مليون دينار.
• المجموع 292 مليون دينار.
هذا الرقم لا يدمّر المالية العمومية، لكنه ليس هيّنًا أيضًا، ويستوجب مصدر تغطية واضح طبقًا للفصل 49 من القانون الأساسي للميزانية.
خامسًا: مقترح لتعويض النقص الجبائي
يمكن تصوّر آلية تقنية لضمان احترام توازنات الميزانية، مثل:• كل زيادة بـ 10% من حصة FCR العائلة في السوق،
تقابلها زيادة بـ 100 مليم في سعر لتر البنزين،
بما يوفّر موردًا جبائيًا إضافيًا لتغطية النقص في حدود 292 مليون دينار.
خاتمة
مقترح FCR العائلة يكشف تناقضًا في الخطاب الرسمي حول العملة الصعبة، ويطرح بجدّية مسألة توزيع الأعباء الجبائية بين المواطنين وقطاعات اقتصادية ذات أرباح هامة مثل وكلاء السيارات.بدل الشعارات، يحتاج الرأي العام والنواب إلى:
• أرقام رسمية واضحة من وزارة المالية،
• سيناريوهات دقيقة (5%، 10%، 20% من السوق)،
• ونقاش صريح حول من يتحمّل الكلفة.
في النهاية، السياسة الجبائية العادلة لا تُبنى على الانطباعات، بل على معادلة واضحة بين العدالة الاجتماعية ونجاعة المالية العمومية، وبأرقام لا تخاف من النشر.





Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 319668