مسرحية "في بطن الحوت" لمروى المناعي: عمل جريء يعري معاناة المهاجرين ويلامس قضايا إنسانية عابرة للحدود

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/67922f49b86103.28402904_jhoqegnfmkipl.jpg width=100 align=left border=0>


احتضنت قاعة الفن الرابع بالعاصمة، مساء الجمعة، تقديم العرض الأول لمسرحية "في بطن الحوت" من نص وإخراج مروى المناعي وإنتاج المسرح الوطني التونسي والمسرح الوطني الكرواتي برياكا.

"في بطن الحوت" هو عمل مسرحي مستوحى من قصص قصيرة لإيفا بابيتش ودوروتيا شوشاك وسامية العمامي ومنى بن الحاج زكري. ويتناول العمل موضوع الهجرة غير النظامية والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون في مراكز الإيواء من خلال قصص كل من "عمر" الشاب التونسي الذي هاجر عن طريق تركيا مدعيا أنه مهاجر سوري أملا في أن يتحصل على اللجوء و "مريم" الفتاة التي غادرت ثكلى هربا من الوصم والعنف الذي يمكن أن تتعرض لهما في تونس في حال تم كشف حملها خارج إطار الزواج و "فودونوشا" الذي يرجح أن يكون من أذربيجان أو إحدى الدول المجاورة لها والذي رفض الإفصاح عن قصته الحقيقية وارتأى الحديث عن الطبيعة الإنسانية التي ترفض الركود وتبحث عن الحركة المتواصلة.





ويستلهم عنوان المسرحية رمزيته من قصة النبي يونس الذي وجد نفسه محبوسا في بطن الحوت، وفي المسرحية يتحول بطن الحوت إلى حالة من العزلة والتأمل والانبعاث الجديد بعد الأزمات. وعلى مدى ساعتين من الزمن شاهد الجمهور بتمعن تفاصيل القصص التي نُسجت بطريقة تمزج بين التمثيل والتصوير وتراوح بين الماضي والمستقبل إذ أن قصص هؤلاء الثلاثة تم طرحها في إطار بحث أكاديمي تقدمه أستاذة ايطالية سنة 2051 لتعود من خلاله على الانتهاكات التي حدثت في ما سمي ب"معتقل" B42 والعنف النفسي والتعذيب الذي تعرض له المودعون الثلاثة.

اعتمدت المسرحية في أغلب أطوارها على أسلوب الترميز بدءا بفعل الحمل الذي افتتح مشاهد هذا العمل والذي يرمز إلى تواصل البشرية من ناحية وضعف وضعيات بعض النساء الحوامل حسب السياقات التي يوجدن فيها من ناحية أخرى، بالإضافة إلى ما تحركه هذه الوظيفة البيولوجية في الأم من رغبة في المقاومة من أجل ضمان عيش كريم لطفلها.

ومن الرمزيات الأخرى التي افتتحت العرض أيضا، خيط النسيج الأحمر الذي نسج الممثلون من خلاله شبكة القوانين الدولية المنظمة لعيش الأفراد ولحقوقهم لتبين أحداث المسرحية وخطاباتها الهوة بين ما يوجد في القانون وما يعيشه أبناء دول الجنوب على أرض الواقع وكيف أن القوانين الدولية وجدت لحماية مصالح مراكز الهيمنة الغربية. ومن ناحية أخرى عبر الخيط أيضا عن تواصل الإنسانية رغم كل المآسي التي قد يعيشها الأفراد والجماعات إلا أن البشرية تتواصل وتتحرك ولا يمكن للعنف أن يوقف سيرورة التاريخ.

قام العرض على مجموعة من المؤثرات الجمالية التي ساهمت في تبليغ الرسالة الإنسانية لهذه المسرحية التي تنتقد سياسات الهجرة في عدد من البلدان التي لا تحترم المعاهدات الضامنة لحق الإنسان في التحرك وفي العيش الكريم، فتم توظيف تقنية "voix off " واعتماد صور فوتوغرافية وفيديوهات فضلا عن استعمال مؤشرات وأرقام حول مراكز إيواء اللاجئين وعدد المودعين وغيرها من المعطيات التي ساهمت في تبيان البعد الواقعي لهذا المشكل الذي يعاني منه التونسيون وغيرهم من بلدان حوض المتوسط خاصة.

تعددت اللغات المعتمدة في المسرحية فطغى اعتماد اللغة الانقليزية ثم العربية وبدرجة أقل الايطالية وبعض الكلمات بلغات أخرى من ضمنها الفرنسية وهو ما ساهم في إضفاء طابع كوني على هذا العمل الذي جمع فنانين من تونس هم سنية زرق عيونه ونادية بالحاج وثواب العيدودي وعلام بركات وكذلك من كرواتيا هم ماريو يوفيف و سيرينا فيرايولو و إيدي تشيليتش.

وتألقت مروى المناعي في توجيه العرض نحو فضاء بصري ومضموني يوازن بين البساطة والعمق. ركز الإخراج على استحضار أجواء العزلة والبحث، حيث بدت خشبة المسرح أشبه بمساحة رمزية لـ"بطن الحوت". واختارت أن تدمج بين الواقعية والرمزية بأسلوب ذكي، حيث استخدمت الحركات الجسدية والصمت كأدوات أساسية لنقل المشاعر. مشاهد العزلة في الظلام كانت مكثفة ومؤثرة، بينما أضافت اللحظات التي غمرها الضوء شيئاً من الأمل والإيجابية.

يمكن القول إن هذه المسرحية هي عمل فني نقدي توعوي، من ناحية يكشف الستار عن معاناة المهاجرين غير النظاميين في بعض مراكز الايداع وينتقد ممارسات الدول التي تنتهك حقوق الانسان داخل هذه المراكز في مقابل توفير هذه الحقوق لأبنائها كالحق في التنقل بالنسبة للمواطنين الاوروبيين الذي ذكر كمثال في العمل. ومن ناحية أخرى يمرر العمل رسائل توعوية لمن يحلمون بالعيش الهنيء في الدول المتقدمة من خلال تقديم بسطة عما يمكن أن يتعرضوا له من تنكيل أو تمييز وهو ما بينته قصة "ليلى" التونسية التي تستجوب المودعين والتي وان هاجرت بطريقة نظامية إلا أنها تتعرض للضغط والتمييز.

ومن خلال الدمج بين الثقافتين التونسية والكرواتية، حملت المسرحية رسالة إنسانية عالمية نبيلة تدعو إلى التعايش والتفاهم. وأظهر هذا العمل المسرحي أن القضايا الإنسانية الكبرى تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية وأن الفنون قادرة على بناء جسور التواصل بين الشعوب.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 301859


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female