هل تشعر أنك غير سعيد؟ قد تكون تعاني من هذه الملازمة المنتشرة.

كريم السليتي (*)
هناك متلازمة لدى كثير جدا من الناس (وربما عانيت منها شخصيًا لفترة من الزمن) اسمها ملازمة انتظار بدء الحياة.
هناك متلازمة لدى كثير جدا من الناس (وربما عانيت منها شخصيًا لفترة من الزمن) اسمها ملازمة انتظار بدء الحياة.
متلازمة انتظار بدء الحياة هي شعور الإنسان بأن حياته الحقيقية لم تبدأ بعد وبأنه يعيش حاليًا في عالم موازي، وأنه لن يكون سعيدًا أو ناجحًا (كما يتوقع أو يتخيل) إلا عند تحقيق هدف محدد أو وقوع حدث معين: الحصول على وظيفة أو منصب أو الزواج أو الثراء، أو أي حدث آخر مثل تغير النظام السياسي أو القانوني في بلاده أو الهجرة أو بدء مشروعه الشخصي.
المشكلة أن هذه الطريقة من التفكير تجعل الناس يعيشون في تأجيل دائم للسعادة والعمل الجاد، )عندما أنجح في الدراسة سأكون بعدها سعيدا، ثم عندما أتخرج سأكون بعدها سعيدا، ثم عندما أحصل على وظيفة سأكون بعدها سعيدا، عندما أتزوج سأصبح بعدها سعيدا. عندما أشتري بيتًا سأكون بعدها سعيدا ، عندما يكون لي أطفال سأصبح سعيدا، عندما يتخرج أطفالي ويتزوجوا سأصبح بعدها سعيدا... حتى ينتهي العمر) فيبقون في دائرة من الإحباط والتسويف وتأجيل الاستمتاع بالنعم وبما تحقق من نجاح وعدم بذل أقصى جهدهم في كل مرحلة لأنه ينتظر.
ومن أثار هذه المتلازمة المنتشرة أنها تسبب القلق، والاكتئاب، وقلة الرضا، والاحساس بالتعاسة وسوء الحظ، وضياع الفرص، لأن الشخص يبقى منتظرًا بدلًا من السعي والقبول بالواقع والتأقلم معه وتحقيق النمو والتطور.
أما عن علاجها فيبدأ بتغيير طريقة التفكير، والتركيز على العمل بما هو متاح الآن، والاستمتاع بكل لحظة وبالنعم المتوفرة حاليًا. قد تكون طريقة العلاج هذه سهلة الذكر لكنها في التطبيق العملي تحتاج إلى إرادة قوية، لأنها تتعلق باجتثاث عادة تراكمت في الدماغ وفي مسارات التفكير لسنوات.
تخيل شابًا بنى كل آماله وأحلامه على الهجرة ، ثم لم يتحقق له ذلك فيعيش سنوات طويلة وربما عقود وهو ينتظر أن تأتيه الفرصة للهجرة ويحس أن حياته في بلاده بدون معنى أو هي العالم الموازي لما كان يفترض أن يكون عليه.
هذا الشخص من الصعب اقناعه أو أن يقتنع بأن يتخلى عن ذلك الحلم أوالهدف بعد كل تلك السنوات من الاحساس بالانتظار، وكلما طال الزمن ربما زادت آماله أكثر في حين أن الواقع يشير إلى العكس.
وأعتقد أن الحل الناجح يأتي من الدين، فعندما يتدين الانسان ويُسلم ويُفوض أمره كله لله، يقتنع تدريجيًا أنه في هذه الدنيا خُلق لعبادة الله وكُلف بالسعي فيها، وأن عليه أن يستغل عمره فيما أمره الله به، وأن الدنيا هي مزرعة الآخرة وعليه أن يجتهد فيها لينال الجزاء الأوفر في الآخرة، وأن الانتظار والتسويف والوقوف على الربوة في انتظار تحقق حلمه أو وقوع الحدث الذي ينتظره، يمثل إضاعة للوقت وللعمر فيما لا يرضي الله.
يقول نبينا ﷺ: " من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ". وفي الحديث الصحيح: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز."(رواه مسلم). كما قال الله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (النجم: 39)، مما يؤكد أن الإنجاز الحقيقي يأتي من السعي، لا الانتظار.
و مجرد معرفة الانسان بهذه المتلازمة وتشخيصه لنفسه بأنه يعاني منها وهذا كما قلنا أغلب حال البشر في هذا العصر إلا من رحم الله، هو نقطة بداية الشفاء منها، ليتمكن الانسان بعدها من الاستمتاع بكل النعم التي أنعم الله بها عليه.
* كاتب وباحث في سياسات الإصلاح
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 302285