إنسحاب محرم إينجه من سباق الانتخابات: هل يزيد من حظوظ أردوغان أم ينقصها؟
بقلم أيمن عبيد (*)
كما يعلم الجميع، فقد نام السباق الانتخابي في تركيا منذ يومين، على أصداء القنبلة التي فجّرها محرم إينجه -المرشّح الثالث من حيث نوايا التصويت في السباق الرئاسي- من خلال اعلانه عن انسحابه. ورغم أن هذا الأمر كان متوقّعا أو على الأقلّ واردا لدى أغلب المتابعين الجادين، فإنّ ذلك لا يقلل أبدا من أهميّة تأثيره ومن حجم انعكاساته المركّبة. خاصة باعتبار الشكل والتوقيت اللذين جاء بهما/فيهما.
كما يعلم الجميع، فقد نام السباق الانتخابي في تركيا منذ يومين، على أصداء القنبلة التي فجّرها محرم إينجه -المرشّح الثالث من حيث نوايا التصويت في السباق الرئاسي- من خلال اعلانه عن انسحابه. ورغم أن هذا الأمر كان متوقّعا أو على الأقلّ واردا لدى أغلب المتابعين الجادين، فإنّ ذلك لا يقلل أبدا من أهميّة تأثيره ومن حجم انعكاساته المركّبة. خاصة باعتبار الشكل والتوقيت اللذين جاء بهما/فيهما.
الشكل والتوقيت
ولعلّ من المهمّ في سياق محاولة رصد انعكاسات هذا المستجد وتوقع نتائجه في الصناديق، أن نتوقّف أوّلا عند الملاحظات التالية:
إينجه هو قيادي سابق في حزب الشعب الجمهوري (CHP) ومرشحه لرئاسيات يونيو/حزيران 2018، التي تحصل فيها على نسبة 30.67% من الأصوات. وقد انشقّ عنه في مايو/أيار 2021 ليؤسس حزب البلد، الذي تبنى خطابا أكثر قوّة في اتجاه الراديكالية الكمالية على يسار حزبه الأمّ. ليلعب ذلك مضافا الى ما يحمله إينجه من كاريزما وخبرة وعلاقات، دورا في نجاحه كمرشّح رئاسي لتبوء الموقع الثالث في أغلب نتائج سبر الآراء، بنسبة تتراوح بين 2 و5 بالمئة. وبالتالي فإن إينجه موضوعيّا قد اقتطع نسبة ليست كبيرة -ولكنها قد تكون مرجّحة- من الخزان الانتخابي الكلاسيكي لأهم أحزاب التحالف المعارض (حلف الأمّة).
رغم مساعي كليجدار أوغلو وحلفائه -منذ مدّة- بشكل واضح وعلني لدفع إينجه للتراجع والانسحاب؛ سواء من خلال الضغط الإعلامي وتوجيه اللوم القاسي له من المنابر، بمنطق التصويت المفيد ضدّ أردوغان، أو من خلال الجهود التفاوضيّة معه ومع حزبه. الا أن اتهامه للمعارضة أو جهات قريبة منها بشكل صريح، باستخدام وسائل غير أخلاقيّة (صورة إباحية مفبركة بحسب قوله) ضدّه، قد تكون له ارتدادات عكسيّة.
لم يفصل انسحاب إينجه عن موعد التصويت الا 3 ايام فقط. أي أنه جاء في وقت حسّاس وحاسم، يصعب معه السيطرة على مسار التطوّرات أو التدارك من هذا الطرف أو ذاك. ليشعل بذلك ديناميّة جديدة في السباق الانتخابي، ويضع حملات كلا المتنافسين الرئيسيين خلف عقارب الساعة. وكما يقال؛ فإن 24 ساعة في السياسة التركيّة زمن طويل. وعندما نضع 73 ساعة في ميزان الزمن الانتخابي في أي دولة ديموقراطية في العالم، فإن قيمتها تزيد أضعافا مضعّفة.
الانعكاسات المركّبة
وبما إينجه لم يتراجع لصالح أي من المرشحين الثلاثة المتبقين، وفتح لمسانديه باب الاجتهاد في اختيار مرشحهم الرئاسي الجديد، فإنه يكون قد جعل سلوكهم الانتخابي رهينا لمحدّدين/عاملين أساسيين، متنازعين فيما بينهما:
العامل الايديولوجي: الأيديولوجيا وتشابك العلاقات على مستوى القيادة والهياكل، سيدفعان على الأغلب في اتجاه التصويت لكليجدار أوغلو. وذلك باعتبار اشتراك حزبي البلد والشعب الجمهوري في الأرضية الفكرية والأيديولوجيّة، فضلا عما يمكن أن يتوقّع من تشابك العلاقات الشخصية في عدة مستويات تنظيمية بين الحزبين.
العامل الشخصاني: النابع من تعاطف أنصار إينجه معه كشخص، بعدما تعرّض إليه من ابتزاز غير أخلاقي. وهذا سيدفع على الأرجح في اتجاه تصويت احتجاجي ضد كليجدار أوغلو؛ إما لصالح أردوغان، المرشح الثالث (سنان أوغان) أو ربما بالمقاطعة.
كما أن انعكاسا آخر قد يظهر ضمن التحالف المعارض في حدّ ذاته. اذ أن التصاق هذه التهمة بالتحالف المعارض قد يكون له الى حدّ ما انعكاسات سلبية على قواعد/الخزان الانتخابي للأحزاب المحافظة/ الاسلامية المنخرطة فيه (السعادة، المستقبل، الديمقراطية والتقدّم).
فهذه الشريحة ترفض عموما استخدام هكذا أدوات غير أخلاقية في الصراع السياسي. رغم أن مقولة "ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب"، استخدمت في محطات كثيرة لتسويغ ممارسات ترفضها القناعات القيمية للإسلاميين/المحافظين في تركيا وخارجها.
إلى أين؟
وفي العموم، فمن المؤكّد أن انسحاب إينجه سيضع الحملات الانتخابية لكل من أردوغان وكليجدار أوغلو، أمام تحدّيات وعمل كبيرين. ويمكن تقسيم ذلك الى مستويين رئيسيين:
عمل نخبوي/تفاوضي: يتمثّل في التواصل مع قيادات وهياكل الحملة الانتخابية لمحرم إينجه. وهذا المستوى قد يكون لحزب الشعب الجمهوري أفضلية فيه.
عمل إعلامي: وبالتوازي مع ذلك، هناك سردية إعلامية وخطاب سياسي سيستهدف قواعده. وهنا قد تكون حظوظ أردوغان أكبر نظرا لما يعتمر أنصار إينجه من مشاعر المرارة والغضب.
وبذلك فإن استفادة أي من الطرفين من انسحاب إينجه سيكون رهينا بمدى قدرته على مجاراة هذا المستجد والتقدم على حساب الآخر في النسقين المذكورين. مع أفضلية طفيفة لأردوغان نظرا لأنه الأقرب من تحقيق نسبة 50 بالمئة زائد واحد، بما يعزز حظوظه في حسم الانتخابات في دورها الأول، لكنه لا يحسمها. إذ من المهم كذلك أن نتفطن إلى أن الأيام الأخيرة، قد شهدت تراجعا واضحا في نوايا التصويت لإينجه، حتى قبل انسحابه.
طبعا يضاف إلى ذلك، الأوراق التي قد يكون كل طرف قد احتفظ بها للأمتار الأخيرة. وقد سبق للتحالف الحاكم (حلف الجمهور) أن أعلن مثلا، عن حيازته لتسريبات تثبت تعامل الطاولة السداسية مع جهات أجنبية. وإن صح ذلك، فإن حملة أردوغان لن تلقي على الأغلب بهذه الورقة، الا إذا ما تحققت من جدية حظوظها في الفوز منذ الدور الأول. وإلا فإن الاحتفاظ بها إلى الدور الثاني يكون ذو معنى أكثر.
* أيمن عبيد
كاتب وناشط سياسي تونسي
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 266498