تونس تودّع سنة 2025 بمؤشّرات تعافٍ ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلي
وات -
شكّلت سنة 2025 مرحلة محورية في المسار الاقتصادي التونسي، حيث نجحت البلاد في تجاوز تداعيات الأزمات العالمية المتتالية وتحقيق استقرار نسبي في المؤشرات الكلية، متجاوزة حالة الركود التي ميّزت السنوات القليلة الماضية. ويعكس هذا المسار نجاح سياسة الصمود التي انتهجتها الدولة، والقائمة على تفعيل المحركات الذاتية للنمو مع الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى، في ظل ظرفية دولية متقلبة.
في هذا السياق، استقرّت نسبة النمو في تونس عند 2.4 بالمائة خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2025 بحساب الانزلاق السنوي، مع توقّعات رسمية ببلوغ 2.6 بالمائة لكامل السنة، في تناغم مع تقديرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تراوحت بين 2.5 و2.6 بالمائة.
في هذا السياق، استقرّت نسبة النمو في تونس عند 2.4 بالمائة خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2025 بحساب الانزلاق السنوي، مع توقّعات رسمية ببلوغ 2.6 بالمائة لكامل السنة، في تناغم مع تقديرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تراوحت بين 2.5 و2.6 بالمائة.
كما سجّل معدّل البطالة تراجعًا ملحوظًا، إلى جانب تحسّن مؤشّر الأسعار، نتيجة تطوّر أداء مختلف القطاعات المنتجة، ولا سيّما تحسّن مردودية القطاع الفلاحي في ظل ظروف مناخية مواتية، إضافة إلى التعافي التدريجي للأنشطة الصناعية وتواصل الديناميكية الإيجابية لقطاع السياحة، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء.
وأكد مختصّون في الشأن الاقتصادي أنّ نسبة النمو، وإن بدت متواضعة قياسًا بالتحديات الدولية، فإنها تمثّل نقطة تحوّل استراتيجية بعد سنوات من التذبذب، مدفوعة بمرونة قطاعات إنتاجية سيادية وبجهود حكومية لإعادة هيكلة المالية العمومية وتعزيز صلابة الاقتصاد الوطني، في إطار مقاربة وطنية تقوم على التعويل على الذات وتعزيز مصادر خلق الثروة.
2025: رهان القطاعات التقليدية يقود التعافي الاقتصادي
لم يكن عبور تونس نحو منطقة النمو الإيجابي وليد الصدفة، بل جاء ثمرة أداء قوي لثلاثة قطاعات شكّلت حزام أمان للاقتصاد الوطني، أبرزها الفلاحة والخدمات والسياحة، إلى جانب تراجع نسبي في معدلات التضخّم مع المحافظة على مستوى مقبول من احتياطي العملة الأجنبية.وسجّل القطاع الفلاحي ارتفاعًا في القيمة المضافة بنحو 9.8 بالمائة على أساس سنوي (و11.5 بالمائة بحساب الانزلاق السنوي وفق نتائج الثلاثي الثالث)، وساهم الإنتاج الوفير لزيت الزيتون والتمور في تعديل الميزان التجاري، مستفيدًا من ارتفاع الأسعار العالمية.
أما قطاع السياحة، فقد كان أحد أبرز محرّكات النمو، إذ ارتفعت العائدات السياحية إلى حدود 27 ديسمبر 2025 بنسبة 6.3 بالمائة مقارنة بسنة 2024، لتناهز 7.9 مليار دينار (نحو 2.7 مليار دولار)، وفق بيانات وزارة السياحة والبنك المركزي التونسي. كما استقبلت تونس أكثر من 11 مليون سائح، متجاوزة الرقم القياسي المسجّل سنة 2019.
ونما قطاع الفنادق والمطاعم بنسبة 7.1 بالمائة، مدفوعًا باستقرار الوضع الأمني وتنوّع العرض السياحي، الذي شمل السياحة الإيكولوجية والطبية إلى جانب سياحة الشواطئ.
وشهدت سنة 2025 أيضًا استعادة نسق إنتاج الفسفاط بمستويات لم تتحقق منذ عقد، إذ ارتفع الإنتاج التجاري خلال النصف الأول من السنة بنسبة 55 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من 2024. وفي هذا الإطار، أكدت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري تسجيل تقدّم هام في أداء شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي.
كما واصلت تحويلات التونسيين بالخارج منحاها التصاعدي لتبلغ نحو 8.5 مليار دينار (حوالي 2.9 مليار دولار) بزيادة تفوق 6 بالمائة، إلى جانب ارتفاع القيمة المضافة للأنشطة الصناعية بنسبة 3.4 بالمائة.
الدولة تنجح في كبح جماح التضخّم
على صعيد الأسعار، نجحت الدولة في كبح التضخّم الذي تراجع خلال سنة 2025 إلى حدود 4.9 بالمائة، مدفوعًا بتباطؤ نسق ارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية، خاصة المواد الغذائية. وأتاح هذا المسار التنازلي هامشًا أوسع للسياسة النقدية، ما دفع البنك المركزي التونسي إلى خفض نسبة الفائدة الرئيسية إلى 7.5 بالمائة خلال شهر مارس، في أول خطوة من هذا النوع منذ سنوات، بما منح نفسًا جديدًا للمؤسسات الصغرى والمتوسطة.وسجّلت الاستثمارات زيادة ملحوظة، حيث استقطبت تونس أكثر من 2.885 مليار دينار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى نهاية سبتمبر 2025، بزيادة 28.1 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من 2024. وتركّزت هذه الاستثمارات في الصناعات المعملية والطاقة المتجددة والخدمات، مع ارتفاع لافت في الاستثمارات المعلَن عنها التي بلغت 5.97 مليار دينار.
وفي ما يتعلّق بالمبادلات الخارجية، ارتفعت صادرات الفسفاط ومشتقاته بنسبة 11.9 بالمائة، كما نمت صادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 6.7 بالمائة، مقابل تراجع صادرات الطاقة بنحو 39 بالمائة نتيجة انخفاض شحنات المواد المكرّرة.
وسجّلت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية تحسّنًا، لتغطي نحو 108 أيام توريد إلى غاية 26 ديسمبر 2025، بما عزّز قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية، مع نجاح تونس في سداد أقساط ديونها الخارجية. كما تحسّن سعر صرف الدينار مقابل الدولار واليورو إلى موفّى سبتمبر 2025 بنسبة 2.8 بالمائة و0.5 بالمائة على التوالي، مقارنة بالفترة نفسها من 2024.
مجهودات الدولة والسياسات التصحيحية
اعتمدت الدولة خلال سنة 2025 حزمة من الإجراءات لدعم المحرّكات الاقتصادية، شملت الإصلاح الجبائي والعدالة الاجتماعية، عبر مراجعة جدول الضريبة على الدخل لتخفيف العبء عن الطبقة الوسطى، مع تعزيز الرقابة ودمج الاقتصاد الموازي، إضافة إلى حوكمة المؤسسات العمومية والانطلاق في برامج إعادة الهيكلة.كما تواصلت سياسة ترشيد التوريد وحصر توريد الكماليات، إلى جانب إعادة توجيه الدعم تدريجيًا من دعم الأسعار إلى الدعم النقدي المباشر للفئات الهشّة عبر برنامج «أمان». وتكثّفت الجهود لتحسين مناخ الأعمال، عبر حذف تراخيص تعاطي الأنشطة الاقتصادية ومراجعة كراسات الشروط.
وفي مجال الأمن الطاقي والانتقال الطاقي، شهدت سنة 2025 تحيين الأمر المتعلّق بصندوق الانتقال الطاقي، بالتوازي مع مواصلة الإعداد لمشاريع جديدة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما تواصل العمل على تحسين نوعية المياه المعالجة وإعادة استعمالها، من خلال تأهيل محطات التطهير وتوسيع طاقتها.
آفاق سنة 2026: نحو الإقلاع الاقتصادي
تشير تقارير محلية ودولية إلى أنّ تونس ستدخل سنة 2026 بوضع اقتصادي مريح نسبيًا مقارنة بمحيطها الإقليمي. وتسعى الدولة إلى استهداف نسبة نمو في حدود 3.3 بالمائة، اعتمادًا على تنويع مصادر النمو وتعزيز مساهمة القطاعات الواعدة.وتُعدّ سنة 2026 الأولى في تنفيذ مخطط التنمية 2026-2030، القائم على منهجية التخطيط التصاعدي، مع دور محوري للمجالس المنتخبة في اقتراح الحلول التنموية. ويهدف هذا المسار إلى تحقيق تنمية عادلة وشاملة، ودعم المبادرات الاقتصادية، وتحسين الدخل الفردي ليبلغ نحو 15691 دينارًا.
ويبقى التحدّي الأساسي في سنة 2026 تحويل التوجّهات إلى برامج تنفيذية فعّالة، واستكمال الإصلاحات الهيكلية، بما يضمن الانتقال من التعافي إلى نمو تسارعي ومستدام، مستند إلى رصيد تونس من الكفاءات البشرية وتنوّع اقتصادها وقدرتها على الاندماج في سلاسل القيمة الدولية.







Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 320989