تونس تحتفي بذكرى 9 أفريل 1938: ملحمة شبابية كتبت بأحرف من نور

تحتفي تونس اليوم الأربعاء بالذكرى السابعة والثمانين لأحداث 9 أفريل 1938، إحدى أبرز المحطات النضالية في مسيرة التحرر الوطني من الاستعمار الفرنسي، والتي مثلت تحولاً جذرياً في مسار الحركة الوطنية بقيادة شبابية واعية ومتعلمة.
شباب غيروا مسار التاريخ
شباب غيروا مسار التاريخ
أكد الأستاذ فيصل الشريف، أستاذ التاريخ المعاصر، في حديث لـ"وات"، أن أحداث 9 أفريل 1938 تميزت بـ"روح جديدة"، حيث قادها شباب لم يتجاوز عمر معظمهم الثلاثين عاماً. وقال: "جاءت نخبة من الشباب المثقف، مزدوجي اللغة، خريجي المعهد الصادقي والجامعات الفرنسية، بفكر رافض للاستعمار جملة وتفصيلاً، على عكس الحزب الدستوري القديم الذي كان يكتفي بالمطالبة بالإصلاحات وليس الاستقلال".
سياق الأحداث: من المحاضرة الممنوعة إلى المظاهرة الدامية
في 12 مارس 1938، منعت السلطات الفرنسية المناضل علي البلهوان (29 عاماً) من إلقاء محاضرة بعنوان "دور الشباب في المعركة الوطنية"، فألقاها في مقر الحزب بباب سويقة. وفي مارس 1938، اعتقلت فرنسا قيادات شابة مثل سليمان بن سليمان (33 عاماً) ويوسف الرويسي (31 عاماً) والهادي نويرة (27 عاماً). رداً على ذلك، نظم الحزب الدستوري الجديد إضراباً عاماً في 8 أفريل 1938، تبعته مظاهرات حاشدة في العاصمة، حيث التقت مسيرتان: إحداهما من ساحة الحلفاوين بقيادة البلهوان، والأخرى من رحبة الغنم بقيادة المنجي سليم. ورفع المتظاهرون شعارات مثل "برلمان تونسي" و"حكومة وطنية"، وبلغ عددهم قرابة 10 آلاف شخص.
وفي خطاب تاريخي أمام مقر الإقامة العامة الفرنسية، هتف البلهوان: "جئنا لنظهر قوانا، قوة الشباب الجبارة التي ستهدم هياكل الاستعمار الغاشم! البرلمان التونسي لا يُبنى إلا على جماجم العباد وسواعد الشباب!".
لكن في 9 أفريل، قمعت القوات الفرنسية المتظاهرين بوحشية، مما أسفر عن سقوط 22 شهيداً واعتقال 2000 إلى 3000 شخص، محكومين بالمحاكم العسكرية.
تعليم وثقافة.. سلاح المقاومة
أشار الشريف إلى أن الحزب الدستوري الجديد ضم أكثر من 350 خلية في جميع أنحاء البلاد بين 1936 و1937، وكانت قيادته كلها من الشباب، مثل عزوز الرباعي (17 عاماً فقط)، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للشباب بعد الاستقلال. كما لفت إلى أن هذه الفترة شهدت نهضة تعليمية وثقافية، حيث ارتفع عدد المدارس الحديثة من 17 عام 1929 إلى 42 عام 1939، بفضل جهود التونسيين أنفسهم، وليس المستعمر. وكتب الباحث الفرنسي بيير فيرميرين في كتابه "تكوين النخب في المغرب وتونس": "التوسع في التعليم كان مدفوعاً بطلب التونسيين، وليس السياسة الاستعمارية".
وواجه الشباب المستعمر أيضاً بالفكر والفن، فأصدر البلهوان كتاب "تونس الثائرة" (1954)، والدكتور الحبيب ثامر كتاب "هذه تونس" (1948)، كما نشطت الحركة الثقافية عبر المجلات والأغاني والمنتديات مثل جماعة "تحت السور".
الشباب اليوم.. بين إرث الأجداد وتحديات الواقع
في مقارنة بين دور الشباب آنذاك واليوم، قال الباحث في علم الاجتماع محمد نجيب بوطالب لـ"وات": "الوعي السياسي للشباب في الثلاثينات نتج عن تعليمهم واطلاعهم على أفكار الحرية والعدالة. أما اليوم، فغياب التوعية في المناهج الدراسية والإعلام يضعف حضور الشباب في الحياة العامة". وانتقد بوطالب النخب السياسية الحالية لتخليها عن دورها في تأطير الشباب، قائلاً: "نادراً ما نجد أحزاباً بقيادات شابة تحت الثلاثين، رغم أن أجدادنا قادوا النضال الوطني وهم في مثل هذا العمر!".
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 306140