لا سيدي ولا ربي لنادية الفاني: عبودية الهوى
![](/cache/cacheimages/eb4d0ed1d4b7dfaa9aae22afb59282c2_w775.jpg)
في بحبوحة الربيع العربي الجميل، يفاجئنا بعض أعوان الحرس القديم، بممارسات استفزازية لا تخطر حتى في بال إبليس، ومن ذلك ما قامت به نادية الفاني من عرض لفيلم في إحدى دور السينما في تونس تحت عنوان 'لاسيدي ولا ربي'. وقد أسفر ذلك عن رد فعل غاضب من قبل أطياف واسعة من الشعب التونسي، تمثل في مظاهرات ميدانية وتنديدات قولية.
وياللعجب، قف انبرى أعلام الليبرالية المتطرفون ينددون بهذا الرد السلمي، وكأن حرية التعبير حلال عليهم وحرام على غيرهم. ونظرا لما لموضوع حرية التعبير من أهمية كبرى حاليا ومستقبلا، فإنه لا بد من تأصيل علمي لها من كافة القوى الفاعلة في العالم العربي، وإني هنا أساهم في ذلك بذكر بعض مما يجب أن تلتزم به حرية التعبير من ضوابط، وذلك كما يلي:
وياللعجب، قف انبرى أعلام الليبرالية المتطرفون ينددون بهذا الرد السلمي، وكأن حرية التعبير حلال عليهم وحرام على غيرهم. ونظرا لما لموضوع حرية التعبير من أهمية كبرى حاليا ومستقبلا، فإنه لا بد من تأصيل علمي لها من كافة القوى الفاعلة في العالم العربي، وإني هنا أساهم في ذلك بذكر بعض مما يجب أن تلتزم به حرية التعبير من ضوابط، وذلك كما يلي:
1- الضوابط الأخلاقية:
أ- التخلي عن الهوى: لا أعرف شيئا يضاهي الجهل قبحا إلا الهوى، وإن الهوى باب للضلال مبين. والهوى يكون قبيحا إذا كان في اتباعه مخالفة للعقل الصريح، سواء كان هذا الهوى كبرا أو إلفا أو عصبية أو اتباعا للشهوات والمصالح أو حقدا او حبا للظهور أو غير ذلك. وقد تأتى للعلم التجريبي أن يتحلى أصحابه بالموضوعية في الجزئيات دون النظريات، لأن شيئا من الأمراض السابقة لا يرتبط في الغالب بهذا التحلي. أما في ميدان العقائد، فإن هذا الارتباط يكون شديدا، ولا يتغلب عليه صاحبه إلا إذا كان قلق الحقيقة لديه حيا، أو تغمده الله تعالى بهدايته.
وكم يسهل على الفطناء في كثير من الأحيان معرفة موقف فلان أو علان من القضايا السياسية المختلفة بمعرفة مصالحهم الشخصية أو خلفياتهم الإيديولوجية، وهذه الحدس المعرفي يكشف عن غياب كبير للحس النقدي حتى عند من يزعمون أنهم عقلانيون وتنويريون. وهذا يبين أن من اشتغل يداوي عيوب النفس أقرب إلى الحق ممن تمكن من بحار المعرفة وهو مكبل بتلك العيوب تكبيلا عظيما.
ب- التحلي بالعلم: من العار تماما أن يتجرأ أي شخص على خطير القضايا انطلاقا من خواطر عابرة، وإن ثقافة الخوض في مثل هذه القضايا صارت مرضا عضالا في هذه الأزمان. وللأسف الشديد، فإن كثيرا من رجال الفكر والسياسة الغربيين يحكمون على دين الإسلام ونبي الإسلام، ولم يكلف أحد منهم في يوم من الأيام نفسه الاطلاع على القرآن الكريم أو السيرة النبوية، ولذلك نجد في أحكامهم الكثير من المغالطات والأغلاط المنكرة.
إن ملحدا يبني إلحاده على نظر عميق واطلاع شامل لأفضل ألف مرة من ملحد اختار الإلحاد من منطلق التشهي أو بدافع التبرير، مع أننا نقول معبرين عن رأينا أن من تخلى عن الهوى وتحلى بذلك العلم العميق الشامل لا يمكن ألا أن يكون مؤمنا عظيم الإيمان. ورغم أني لا أحبذ شخصنة الأمور، فإني أعتقد أن إلحاد السيدة نادية الفاني اجتمعت فيه السوءتان: عظم الجهل وعبودية الهوى، مع أن المسكينة بحكم زيارتها لبعض مواقع الإلحاد اللادينية وتبنيها لحرية القول الظاهرة تعتقد أنها من أهل العلم والحرية.
2- الضوبط الموضوعية:
أ-
![نادية](https://www.babnet.net/images/6/nadiafani2.jpg)
إن ما قامت به نادية الفاني في مرحلة الانتقال الديموقراطي، يدخل في حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، وبالتالي العودة البائسة إلى زمن الفساد والاستبداد. ولا نريد بهذا أن نصادر حق التعبير المفتوح عن المعتقد بلغة العقل لا بلغة العاطفة، ما دام ذلك لا يؤدي إلى تهديد السلام الأهلي، بتعبير آخر، لتظهر هذه نادية الفاني في مناظرة تلفزية علينة عادلة وجادة جدا بقدر جدية موضوع النقاش، ولمن شاء حينها أن يؤمن فليؤمن، ومن شاء أن يكفر فليكفر. وهنا أشجع أهل الفكر كافة أن ينشروا ثقافة المناظرة الجادة كما كانت في فجر الإسلام بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من مخالفيه.
ب- الفكر محاور، والفن معبر: القناعات العقدية التي تؤسس على تأثر الوجدان بالفن قناعات ضعيفة، أما القناعات التي تتأسس على المنطق العقلاني الصارم فهي بلا شك قناعات قوية. ولأجل هذا يجب أن نعد من يراود المخالف في عقيدته على أساس التأثير العاطفي محتالا يقوم بفعل لا بد من تجريمه، ويكون هذا الاحتيال فظيعا إذا كان هذا المخالف قاصرا أو محتاجا احتياجا ماديا أو نفسيا. ونحن من هذا المنطلق نندد مثلا بعمل الكنائس التبشيرية في إفريقيا وغيرها من البلدان، حيث تستغل جهل الصغار وفقر الكبار لتغير من عقائدهم باساليب دعائية تتركز أساسا على التأثير الفني الموجه.
وقد يتساءل البعض في هذا الإطار عن دور الفن عقائيا وسلوكيا، ونجيب هنا بأن هذا الدور تعبيري وليس حجاجيا، أي يعبر عن القناعات العقدية بأساليب فنية جميلة. وشرط التعبير أن يكون خاصا بين مرسل ومتلق يشتركان في رؤية عقدية واحدة، والتعبير هنا هو تعبيرعن الذات وليس تهجما على الغير، وأنا أرفض هنا بشدة كل الأعمال الكاريكاتورية التي تهاجم أشخاصا بأعيانهم، فلا أحد يرضى أن تنتهك كرامته وإن أبدى قبوله الظاهر بذلك. وليس حريتك تنتهي فقط حين تبدأ حرية الآخر، بل حريتك تنتهي حين تبدأ كرامة الآخر. وحتى تكون لهذا الحصر فاعلية وقيمة، فعلى الدولة الحاكمة أن تصدر قوانين إجرائية تحقق ذلك.
رضا انور
القدس العربي
Comments
18 de 18 commentaires pour l'article 37144