بعد النزول بمعدل القبول لـ 14... التعليم النموذجي وحتمية إعادة الهيكلة

بقلم: ريم بالخذيري
في هذا التوقيت من كل عام يتجدد الجدل حول مناظرتي الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية من خلال مناظرة السيزيام وإلى المعاهد النموذجية من خلال مناظرة النوفيام. ومرد هذا الجدل نوعية المناظرات المعتمدة، وطاقة الاستيعاب، ونوعية الدروس المقدمة، والنظام التعليمي المعتمد فيها.
في هذا التوقيت من كل عام يتجدد الجدل حول مناظرتي الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية من خلال مناظرة السيزيام وإلى المعاهد النموذجية من خلال مناظرة النوفيام. ومرد هذا الجدل نوعية المناظرات المعتمدة، وطاقة الاستيعاب، ونوعية الدروس المقدمة، والنظام التعليمي المعتمد فيها.
وبلغ الجدل أشده هذا العام بالنزول إلى معدل القبول في هذه المؤسسات إلى 14 بعد أن كان 15، وهو ما أثار احتجاج الأولياء والتلاميذ من الذين تحصلوا على معدلات بين 14 و14.99 في السنوات الفارطة ولكنهم حرموا من الالتحاق بالتعليم النموذجي أو مواصلة التعليم الثانوي فيه.
وهذا ما ضرب مصداقية المناظرتين وكشف عن أزمة عميقة بدأ يتخبط فيها التعليم النموذجي، ما يحتّم إعادة هيكلته.
خطأ التسمية
الجدل الأكبر دائما ما يثار حول التسمية، فخطأ أن يسمّى نموذجيّا وليس صحيحا أن التعليم النموذجي يقابله لغوياً التعليم العمومي.فنموذجي عكسها العادي والبسيط وحتى السيئ.
وبالتالي أول خطوة في إعادة هيكلة التعليمي النموذجي هو تغيير التسمية واستبدالها بمفردات من قبيل تعليم ثانوي درجة أولى.
وفي تونس نجد نوعين من التعليم:
تعليم عمومي عادي لا يقدّم شيئاً يُذكر على مستوى التكوين، وتعليم نموذجي أشبه بالنظام العسكري والتعجيزي يضرّ في أحيان كثيرة بشخصية التلميذ ويعزله عن عالمه الطبيعي بسبب ثقل البرامج والصرامة المتّبعة في المؤسسات النموذجية، لحد أصبح الكثيرون يتهّربون من الالتحاق بها.
ونعرف حالات لتلاميذ ممتازين تعمّدوا التعثّر في مناظرتي السيزيام لعدم الدراسة بالنظام النموذجي، كما أن عدداً آخر من تلاميذ النموذجي يتعمّدون التعثر في مناظرة "النوفيام" للعودة للتعليم العادي ولحياتهم الطبيعية.
إن فكرة التعليم النموذجي في تونس فكرة رائدة لم يتمّ تنزيلها التنزيل الصحيح في المؤسسات النموذجية، حيث تحولت هذه المؤسسات إلى أماكن تشبه السجون، والخلل ليس في الفكرة وإنما في التطبيق كما قلنا.
نبذة تاريخية
نظام المعاهد النموذجية قديم جداً بتونس ويعود لأواخر القرن الماضي، حيث تم تأسيس معهد بورقيبة فترة الحماية الفرنسية في تونس، وتحديداً عام 1882 تحت اسم معهد كارنو أو ليسي كارنو، وقد بقي يحمل نفس الاسم إلى عام 1983، ليتحول اسمه إلى معهد بورقيبة النموذجي بتونس.وقد درست فيه شخصيات عالمية على غرار الحبيب بورقيبة وجورج ولنسكي وفيليب سيغان وفرنسوا دورسيفال وميشال بوجناح.
كما درّس فيه أساتذة كبار من أمثال المفكر "آلانيزانسون"، والفيلسوف "جان غرونيي"، والفنان "راشيهوتو".
وعمّمت التجربة بداية من الثمانينات بعد ذلك. واليوم يوجد مدرسة إعدادية نموذجية ومعهد ثانوي نموذجي على الأقل، بكل ولاية من ولايات الجمهورية.
لكن هذه المؤسسات ما فتئت تثير الجدل مع كل نهاية سنة دراسية وبداية أخرى.
* أولا: بسبب ما يعتبره عدد كبير من الأولياء أسلوب تعجيزي في الامتحانات التي تقدم في مناظرات الدخول لمؤسسات النموذجي، في حين يرى البعض الآخر أن هذه الامتحانات هي للمتميزين فقط، ومن الطبيعي أن تكون المسائل والأسئلة والمواضيع المطروحة صعبة.
* ثانيا: بسبب ما يسمى النصاب أو طاقة استيعاب المعاهد الثانوية النموذجية، والتي يحددها القانون عادة ب3425 مقعداً تتوزّع على 26 معهداً بحساب معهد واحد لكلّ مندوبية جهوية.
في حين لا تتجاوز المقاعد في المدارس النموذجية 3400، يتوزع أكثر من 800 منها في العاصمة وأحوازها.
ومكمن الجدل دوماً هو أن هذه الأرقام تتغير وليست ثابتة، فضلاً على أنها قليلة جداً ولا تفي الممتحنين حقهم حيث ينتفي مقياس الكفاءة والمعدل ويبقى مقياس الشغورات هو الفيصل، والدليل قرار هذا العام بالتخلي عن شرط معدل 15 للالتحاق بها.
وهذا ما يترجم أيضاً تراجعاً في المستوى العام للتلاميذ مقارنة بما يمتحنون فيه في هاتين المناظرتين.
المحصّلة
أن التعليم النموذجي تجربة تكاد تكون موجودة في تونس وعدد قليل من الدول ذات التعليم المتعثر، أما الأنظمة التعليمية المتطورة فكل تعليمها نموذجي.وهذا ما يحتّم إعادة هيكلة لهذا النوع من التعليم ومزيد انفتاحه على التعليم العمومي كمرحلة أولى لجعل كل التعليم نموذجياً.
إعادة الهيكلة
* أولى خطوات إعادة الهيكلة هو التخلي عن مسألة النصاب في المناظرات والنزول نهائياً بالمعدلات إلى 14 مثلما تم هذا العام.* أما ثاني خطوات إعادة الهيكلة هو اعتماد معدل المواد المشابهة (العربية، الفرنسية، الإنجليزية من جهة، والرياضيات، العلوم، الفيزياء من جهة أخرى) كمقياس للنجاح، وهو ما يسمى بنظام المجموع المطلوب في أنظمة تعليمية متطورة حيث يتم النجاح بالنسبة من معدلات هذه المواد وليس بالمعدل العام، فهي التي تحدد قدرات التلاميذ وتوجههم الدراسي (علمي أو أدبي أو تقني).
* وثالث خطوات الإصلاح هي فتح أقسام نموذجية (كمرحلة أولى لتعميم التعليم النموذجي) في المدارس الابتدائية والمدارس الإعدادية يلتحق بها عن طواعية ورغبة من التلاميذ الذين ينوون إجراء المناظرتين المذكورتين.
* ورابع الخطوات هو ضرورة انفتاح هذه المؤسسات على محيطها الاجتماعي وربط التعليم النموذجي بالاقتصاد الوطني من خلال شراكات مع المؤسسات الاقتصادية، وتنظيم ورشات مهنية.
وإعداد التلاميذ للمستقبل من خلال التعلم بالممارسة "Learning by doing" أو "Apprendre en faisant"، وهو التعلّم من خلال الممارسة أو "التعلّم بالإنجاز" وهو من أكثر المفاهيم التربوية فاعلية، ويرتكز على الممارسة العملية بدلًا من التعلّم النظري فقط، حيث يقوم المتعلّم بالتجربة بإنجاز مشاريع واقعية، فيتعلّم من خلال القيام بالأشياء وليس فقط من خلال القراءة أو التلقّي.
والهدف من ذلك توجيه التلاميذ مبكراً نحو المهارات المطلوبة في سوق الشغل.
ومع الكم الهائل من النقد للمؤسسات التعليمية النموذجية ومع الجدل المتصاعد بينها وبين الأولياء، ومع الاتهامات التي توجه إليها بصناعة تلاميذ "روبوهات"، ومع خلوّ المدارس والمعاهد النموذجية من أي أنشطة ثقافية أو فكرية، بات من الضروري الحديث عن تعليم نموذجي يعمم على كل المؤسسات التربوية.
فبمثل هذا التعليم لن نحتاج لهذا التقسيم بين التلاميذ والذي يرفضه المنادون بالتخلي عن المؤسسات النموذجية وتسويتها مع غيرها من المؤسسات.
ونعتقد أن المؤسسات التعليمية النموذجية ومناهج التعليم النموذجي بشكله الحالي لا يعدان إنجازاً نحو صناعة نخبة، وإنما الضرر الحاصل منها أكثر من نفعها الذي أريد منها.
بل نعتقد أنه ساهم في تخلف التعليم بصفة عامة.
تجارب مقارنة
مثلما قلنا أن التعليم النموذجي بشكله الموجود في تونس والمناظرات المؤدية له لا يوجد في الدول ذات المناهج التعليمية المتطورة.* فرنسا بها ما يسمى المدارس الكبرى (Grandes Écoles)، والثانويات المتميزة مثل "Louis-le-Grand" أو "Henri IV" في باريس، تعتبر مؤسسات نُخبوية، الالتحاق بها يتم غالباً عبر انتقاء دقيق في المستوى الإعدادي أو الثانوي.
* كما يوجد أيضاً نظام "Classes Préparatoires" لإعداد النخبة للدخول إلى المدارس العليا، لكن لا يوجد مناظرة وطنية في سن 12 كما في تونس.
* ألمانيا يتم التوجيه حسب القدرات (Gymnasium) في سن 10، ويتم توجيه التلاميذ إلى 3 مسارات:
Gymnasium (نخبة أكاديمية)،
Realschule (تقني)،
Hauptschule (مهني).
التوجيه لا يتم بمناظرة بل بتقييم المدرّسين والتشاور مع الأسرة.
لكنه نظام يثير الجدل لأنه يحدّد مصير التلميذ مبكّراً.
* سنغافورة بها مدارس خاصة بالموهوبين عبر برنامج "Gifted Education Programme" يختار التلاميذ المتفوقين من الابتدائي ويُدخِلهم مدارس خاصة. كما يوجد أيضاً مدارس مستقلة (Independent Schools) لها مناهج مرنة ومصادر أكثر، لكنها مفتوحة للعباقرة فقط.
* كوريا الجنوبية توجد مدارس ثانوية مخصصة للمتفوقين في العلوم والرياضيات (Science High Schools). وتُجرى اختبارات خاصة للقبول. والنظام فيها تنافسي جداً، لكن لا يتم الإقصاء المبكر مثلما يحدث في مناظرات تونس.
* الولايات المتحدة تعرف بمدارس Magnet ومدارس Gifted، توجد Magnet Schools تركز على مجالات مثل العلوم أو الفنون، وتقبل التلاميذ المتفوقين. وتوجد أيضاً برامج Gifted and Talented Education (GATE) داخل المدارس العمومية، والتعليم عمومي ومجاني، لكن البرامج موجهة حسب قدرات الطفل، دون إقصاء البقية.
* سويسرا: في سن 15 تقريباً، يتم توجيه التلاميذ نحو المسار الأكاديمي (Gymnasium) وهو موجه للتلاميذ المتفوقين أكاديمياً، ويدوم من 3 إلى 4 سنوات، ويكون مؤهلاً للدخول إلى الجامعات.
ولا يتم اعتماد نظام المناظرات بل يتم عبر تقييم شامل من معدلات وتوصيات ومقابلات.
أما المسار المهني (VET – Formation professionnelle) فهو تكوين مهني تطبيقي عالي الجودة، يختاره أكثر من 70% من التلاميذ، يُراوح بين التكوين في المدرسة والتدريب في الشركات.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 312021