العربي بن بوهالي: تمويل الميزانية عبر البنك المركزي “وهم نقدي” يستنزف القيمة الشرائية ويقود تونس نحو فخ الديون

في تدوينة تحليلية مطوّلة نشرها على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك
، قدّم الخبير الاقتصادي المقيم في أستراليا، العربي بن بوهالي، رؤية نقدية حادة لمشروع قانون المالية التونسي لسنة 2026، معتبرًا أنّ الدولة تعتمد “وهم المال السحري” من البنك المركزي، وتواصل السير في سياسة تمويل العجز عبر خلق السيولة النقدية دون مقابل إنتاجي، وهو ما سينعكس مباشرة على قيمة الدينار ويؤدي إلى إفقار الطبقة الوسطى وتعميق الفوارق الاجتماعية.
تمويل الميزانية عبر البنك المركزي: تضخم مقنّع وعبء مؤجل

تمويل الميزانية عبر البنك المركزي: تضخم مقنّع وعبء مؤجل
أكد بن بوهالي أن لجوء الحكومة إلى تسييل الدين وتمويل الميزانية بقرض مباشر من البنك المركزي بقيمة 11 ألف مليون دينار يمثل سياسة “خطيرة وغير مستدامة”، قائلًا إن هذا التمويل ليس مجانياً كما يروّج له، بل هو “ضريبة تضخمية” غير معلنة تدفع ثمنها الأسر التونسية من قدرتها الشرائية ومدخراتها.
وأضاف أن التضخم الحالي في تونس بلغ 5.7%، وهو ضعف معدل التضخم في أوروبا البالغ 2%، ما يعني تراجعًا متوقعًا لقيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية، وتدهور الميزان التجاري، وارتفاع كلفة التوريد والطاقة والغذاء.
ميزانية بلا نمو ولا استثمار إنتاجي
وأشار الخبير إلى أنّ مشروع ميزانية 2026 يفتقر لأي رؤية استثمارية حقيقية، حيث لا يتضمن اعتمادات مخصّصة لخلق الثروة أو دعم القطاعات المنتجة، معدّدًا المجالات التي لم ترصد لها الدولة أي موارد:* لا تمويل للصناعات التصديرية أو التكنولوجيا الرقمية والاقتصاد المعرفي
* غياب الاستثمار في الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر
* عدم تخصيص موارد لتطوير قطاع السياحة واقتناء طائرات جديدة
* غياب برامج لدعم الفلاحة والأمن الغذائي
* لا اعتمادات لتجديد النقل العمومي أو بناء مستشفيات وجامعات حديثة
الرابحون والخاسرون: المال يذهب للأقوى
كشف بن بوهالي أن مشروع قانون المالية يُعيد توزيع الثروة بشكل معكوس، حيث:🔷 المستفيدون:
1. الشركات المدرجة في بورصة تونس التي ارتفعت أرباحها بنسبة 24% خلال الأشهر الستة الأولى من السنة.
2. الاقتصاد غير الرسمي الذي نما بنسبة 13% ليصل حجم السيولة فيه إلى 26 ألف مليون دينار.
🔷 المتضررون:
1. الحكومة نفسها التي تغرق في دوامة الاقتراض لسداد الديون القديمة، حيث ارتفع الدين العمومي بـ 67 ألف مليون دينار خلال خمس سنوات.
2. الطبقة المتوسطة والضعيفة التي تواجه ارتفاع الأسعار وجمود الأجور وتراجع الخدمات الاجتماعية.
يقول بن بوهالي: «هذه الميزانية تأخذ من الفقراء لتعطي للأغنياء، وتقوم على سياسة توسعية غير منتجة ستؤدي إلى موجة تضخّم جديدة ومزيد من انهيار الدينار».

تحذير من المسار الفنزويلي-اللبناني
شبّه العربي بن بوهالي سياسة التمويل النقدي الحالية بتجارب دول دخلت في أزمات حادة مثل فنزويلا، زيمبابوي، الأرجنتين ولبنان، حيث تم خلق النقود لتمويل الإنفاق العام، ما أدى إلى انهيار العملة وارتفاع التضخم إلى مستويات مدمرة.وأشار إلى أن تونس تتجه نحو السيناريو ذاته في ظل:
* ارتفاع الاقتراض الخارجي بنسبة 11% إلى 6,808 مليون دينار
* تزايد النفقات إلى 63,575 مليون دينار مقابل مداخيل ضريبية بـ 52,560 مليون دينار
* الاعتماد المفرط على الاستهلاك الداخلي كمحرّك اقتصادي بنسبة 77% من الناتج المحلي
خلاصة بن بوهالي: ميزانية بلا مستقبل
اختتم الخبير تدوينته بالتأكيد على أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 لا يعكس سياسة دولة اجتماعية كما يرفع الخطاب الرسمي، بل هو «مشروع لإعادة توزيع الثروة لصالح رأس المال المالي والمضاربين»، في حين يُترك المواطن في مواجهة الغلاء وغياب الخدمات العمومية وانهيار قيمة الدينار.«ما لم تتحول الميزانية إلى أداة لبناء اقتصاد منتج قائم على الاستثمار والتشغيل والتجديد التكنولوجي، فإن كل سنة مالية جديدة ستكون مجرد حلقة إضافية في مسلسل الفقر والتداين وفقدان السيادة الاقتصادية».
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 316844