سورة الكوثر هي أقصر سُوَر القرآن الكريم، من حيث عددِ الكلماتِ وعدد الحروفِ، فهي سورة تتميز بآياتها الثّلاث القصار، وعدد كلماتها العشر، ومن الإعجاز اللفظي فيها أنّها من السُّوَر التي لا تحتوي على حرف ميمٍ، وهي سورةٌ نوّعها مكيّة، وقيل عند بعض العلماء بأنّها مدنيّة، تقع هذه السّورة في ترتيبها بين السُّوَر في القرآن الكريم بـ108 من أصل 114 سورة، وتقع بعد سورة الماعون وقبل سورة الكافرون،
واشتملت السّورة على بِشارة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- بأنّ الله-تعالى- أكرمه بالخير الكثير في الدّنيا والآخرة، وأمره بأن يشكر-تعالى- على ما وهبه الله له بأن يُكثر من العبادات، ولا يُبالي بالكافر الذي شَمَت بوفاة أولاد الرّسول الذّكور بأنّ الله-تعالى- سيقطع عقبه ويغضب عليه، وعوّضه-سُبحانه- بنهرٍ في الجنّة أسماه الكوثر، حيث أخبر عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- في حديثٍ يرويه عن رسول الله قال: “الكَوثرُ نهرٌ في الجنَّةِ، حافَّتَاه من ذهبٍ، ومَجرَاهُ على الدُّرِّ والياقوتِ” و سيتحدّث المقال عن سبب نزول سورة الكوثر .
سبب نزول سورة الكوثر
ذُكِر سابقًا أنّ رجلًا شَمَت بالرّسول-عليه السّلام– فذكره بالمبتور الذي انقطع ولده من الذكور، فهو لا شأن له، فكان سبب نزول سورة الكوثر ، تخفيفًا عنه-عليه السّلام- حيث أورد ابن عباس-رضي الله عنه- قال
“نزلت في العاص بن وائل، وذلك أنه رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخرج من المسجد وهو يدخل ، فالتقيا عند باب بني سهم ، وتحدثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس ، فلما دخل العاص قالوا له : من الذي كنت تحدث ؟ قال : ذاك الأبتر ، يعني النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان من خديجة ، وكانوا يسمون من ليس له ابن : أبتر ، فأنزل الله تعالى هذه السورة “.
تفسير سورة الكوثر
جاء في سبب نزول سورة الكوثر أنّ الكفّار كانوا يستهزؤون برسول الله-صلى الله عليه وسلم- بأنّه الأبتر المقطوع من النّسل الذّكور، وفيما يأتي تفسيرٌ مُبسطٌ لسورة الكوثر:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}: في الآية الكريمة قُدِّم الضمير(إنا) على الفعل الماضي(أعطيناك) من أجل الإهتمام بالمُعطى والاختصاص به، فالله-تعالى- أعطى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- الكوثر بأمرٍ واقعٍ وثابتٍ، وسابقٍ في القدر، قبل خلق السّماوات والأرض، حين قدّر للخلق مقاديرهم، وكلمة الإعطاء في اللّغة تُفيد التَّمليك، بعكس كلمة الإيتاء التي تُفيد الأخذ ثمّ ذهابه، وأمّا بالنّسبة للكوثر فإنّ العرب تُسمِّي كل شيء فيه خيرٌ كثيرٌ في العدد كوثرًا، فالنّبي-عليه السّلام- عندما نزلت سورة الكوثر قام مبتسمًا بما منّ الله-تعالى- عليه بالخير الكثير، فالكوثر نهرٌ في الجنّة فيه الخير الكثير على رسول الله وأمّته.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}: الفاء في السُّورة هي فاء السّببية المعطوفة على كلمة(أعطيناك)، فبسبب إعطاء الله-تعالى- للرّسول الكريم هذا الفضل الكبير، فيا رسول الله صلَّ لربك وانحر؛ شكرًا لله-تعالى- على هذه النّعمة، ولا تحزن على ما أصابك من كلام الكفّار، فلكَ الخير الكثير، وكلّ الخير مقطوع عنهم، وقد جمع الله-تعالى- بين الصّلاة والنّحر؛ لأنها عبادات تعود على المسلم بالخير والنّفع الكثيريْن، ولأنّهما من الطّاعات التي لا تقوم دون الإخلاص بهما حتى تُقبل.
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}: الشّانئ في اللغة هو المبغِض، فعندما يشنأ فلانًا شَنْئًا، إذا أبغَضَه وكرهه، والأبتر هو المقطوع الذنَب، والمقصود به الإنسان الذي لا يكون له ذِكرٌ بخير أبدًا، ولا يستمر له أثرٌ، فمن أبغض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أبتره الله-تعالى- وقد قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: “إن الله سبحانه بتَرَ شانئَ رسوله من كلِّ خيرٍ، فيبتر ذكره وأهله وماله، ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها، ولا يتزوَّد فيها صالحًا لمعاد، ويبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يُؤهِّله لمعرفته ومحبَّته، والإيمان برسله، ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرًا ولا عونًا، ويبتره من جميع القُرَب والأعمال الصالحة، فلا يذوق لها طعمًا، ولا يجد لها حلاوةً، وإنْ باشَرَها بظاهره، فقلبه شاردٌ عنها”.
سبب نزول سورة الكوثر جاء ذِكرها في كُتُب أسباب النّزول، لمعرفة حال هذه السُّورة التي احتوت على معاني جمّة، ذكرتها السُّورة بثلاث آيات، إلّا أنّ فيها الخير الكثير.