جاء في سبب نزول سورة الإخلاص عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه-: أنَّ اليهودَ أتوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالوا صِفْ لنا ربك الذي تعبدُ فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى أخرها فقال هذه صفةُ ربي عزَّ وجلَّ.
وقال فريقٌ آخر أن سبب نزول السورة الكريمة هو أنّ المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل ليسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبيّن لهم جنس معبوده، فأنزل الله -عز وجل- سورة الإخلاص، وقال فريقٌ آخر من أهل العلم أن السورة نزلت بسبب سؤال نصارى نجران، مصداقاً لما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: (قدم وفد نجران، فقالوا: صف لنا ربك أمِن زبرجدٍ، أو ياقوتٍ، أو ذهبٍ، أو فضةٍ؟ فقال: إن ربي ليس من شيء لأنه خالق الأشياء، فنزلت (قل هو الله أحد).
هل سورة الإخلاص مكية أم مدنية؟
سورة الإخلاص واحدةٌ من سُور القرآن الكريم المكّية، وهي من سُور المفصّل -والمفصّل في القرآن يبدأ من سورة ق وينتهي بسورة الناس وسُميت بهذا الاسم لكثرة الفصّل بين هذه السُّور بالبسملة- وهي من قصار السُّور في القرآن إذ يبلغُ عدد آياتها أربعًا وتبدأ بفعل الأمر “قلْ”.
سبب تسمية سورة الإخلاص
سمّى الله -سبحانه وتعالى- هذه السورة باسم الإخلاص لما اشتملت عليه آياتها من التوحيد وإخلاص العمل والقول واليقين لله -عز وجل- ومن آمَن بها وطبّق مضمونها فهو مُخلِصٌ لله تعالى.
قيل أيضًا في سبب تسميتها أن الإخلاص بمعنى مُخلَصة -بفتح اللام- لله تعالى أي أنها خالصةٌ له سبحانه حيث أنها لم تشتملْ على أي أحكامٍ أو تعاليم أو أخبار كما في غيرها من السُّور وإنما اشتملت على كل ما يتعلق بالذات الإلهية من الصفات والأسماء وإفراد العبوديّة لله، ومن جانبٍ آخر سُميت بالإخلاص لأن من آمن بها ومات على ذلك كانت سببًا في خلاصه من النار كونه آمن وأفرد العبودية لله وحده.
هناك عدة أسماء لهذه السورة، حيث تُسمى سورة الصمد؛ لوجود هذا الاسم العظيم: وهو لا يوجد في أي موضع آخر في القرآن إلا في هذا الموضع الوحيد الفريد، وهكذا سماها غير واحد.
من أسمائها: سورة التوحيد؛ لأنها تكلمت عن توحيد الله تعالى وإفراده بالألوهية والربوبية والعبادة، كما أن من أسمائها: سورة الأساس؛ لأنها هي الأساس الذي يقوم عليه بناء الدين وبناء الدنيا.
وقد أطلق عليها العلماء أسماء أخرى منها: سورة التجريد، وسورة التفريد، وسورة النجاة؛ لأن الإيمان بما جاء فيها نجاة من الكفر في الدنيا، ومن عذاب جهنم في الآخرة، وسورة الولاية؛ إذ إن قراءتها والإيمان بما جاء فيها سببٌ لنيل الولاية من الله تعالى، وسورة النسبة؛ لأنها نزلت رداً على الذين قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “انسب لنا ربك”، وسورة المعرفة؛ لأنها باب لمعرفة الله سبحانه، وسورة الجمال، وسورة المقشقشة؛ والتقشيش هو الشفاء.
فضل سورة الإخلاص
سورة الإخلاص من السُّور القرآنيّة عظيمة الفضل؛ لِما اشتملت عليه من إعلان التوحيد والعبودية لله، لذلك عُرفت بالعديد من الأسماء ومنها: سورة التوحيد، والأساس، والعقيدة، والصمد، وقد ثَبُت في فضل هذه السورة ما يأتي:
قراءة سورة الإخلاص تُعادل في أجرها وثوابها قراءة ثُلث القرآن لكنها لا تجزئ عن قراءته إنما تماثل الثُّلث في الأجر والمثوبة فقط، والسبب في أنّها تعادل ثُلث القرآن لاشتمالها على أسماء الله وصفاته حيث إن آيات القرآن تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ هي: آيات الأحكام، وآيات الوعد والوعيد، وآيات الأسماء والصفات المتعلقة بالذات الإلهية قال -صلى الله عليه وسلم-:” أَيعجِزُ أحدُكم أن يقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟ “قالوا: وكيف يقرأ ثُلُثَ القرآنِ؟ قال: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، تعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ”.
حُب هذه السورة سببٌ في ورود الجنة فقد جاء في الحديث: أنَّ رجلًا كانَ يلزَمُ قراءةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في الصَّلاةِ في كلِّ سورةٍ وَهوَ يؤمُّ أصحابَهُ، فَقالَ لَهُ: رسولُ الله -صلَّى اللَّه عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ-: ما يُلزِمُكَ هذِهِ السُّورةَ؟ قالَ: إنِّي أحبُّها. قالَ: حبُّها أدخلَكَ الجنَّةَ”.
ورد في فضل هذه السورة أن قارئها عشر مرات يُبنى له قصرٍ في الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-:”مَنْ قرأَ “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ” حتى يَخْتِمَها عشرَ مراتٍ بَنَى اللهُ لهُ قَصْرًا في الجنةِ”.
قراءة هذه السورة تكفي العبد من الشرور والمصائب إن قُرأت في الصباح والمساء إلى جانب سورتَيْ المعوذتيْن فقد جاء في الحديث على لسان الراوي: خرَجنا في ليلةٍ مطيرةٍ وظُلمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- يصلِّي لنا قالَ: فأدرَكتُهُ فقالَ: قلْ فلم أقل شيئًا ثمَّ قالَ: قلْ فلم أقُلْ شيئًا قالَ: قلْ فقلتُ: ما أقولُ قالَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوِّذتينِ حينَ تُمسي وتصبحُ ثلاثَ مرَّاتٍ تَكفيكَ من كلِّ شيءٍ”.
من فضل هذه السورة أنها من ضمن السور التي لا مثيل لها قال -صلى الله عليه وسلم-:”يا عقبةُ أَلا أُعَلِّمُكَ سِوَرًا ما أُنْزِلَتْ في التوراةِ و لا في الزَّبُورِ و لا في الإنْجِيلِ و لا في الفرقانِ مثلهُنَّ، لا يأْتِيَنَّ عليكَ إلَّا قرأْتَهُنَّ فيها، قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ”.