نزلت سورة المسد بحقّ أبي لهب عمّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- وزوجته، وتحدثت عن العذاب الذي ينتظرهما في نار جهنم، وقد نزلت سورة المسد كردٍّ على الحرب التي أعلنها أبو لهب وامرأته على الرسول -عليه السلام-، حيث تولّى الله تعالى أمر رسوله في هذه المعركة، ونزلت السورة تحديدًا بعد قصة رويت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ” {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ورَهْطَك منهم المُخلَصينَ قال : وهنَّ في قراءةِ عبدِ اللهِ، خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى أتى الصَّفا فصعِد عليها ثمَّ نادى : ( يا صَبَاحاه ) فاجتمَع النَّاسُ إليه فبيْنَ رجُلٍ يجيءُ وبيْنَ رجُلٍ يبعَثُ رسولَه فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( يا بني عبدِ المُطَّلبِ يا بني فِهْرٍ يا بني عبدِ مَنافٍ يا بني يا بني أرأَيْتُم لو أخبَرْتُكم أنَّ خَيلًا بسَفْحِ هذا الجبلِ تُريدُ أنْ تُغِيرَ عليكم أصدَّقْتُموني ) ؟ قالوا : نَعم قال : فإنِّي ( {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] ) فقال أبو لَهَبٍ : تبًّا لك سائرَ اليومِ أمَا دعَوْتُمونا إلَّا لهذا ثمَّ قام فنزَلت : ( {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وقد تَبَّ وقالوا : ما جرَّبْنا عليك كذِبًا.
لمَّا نزلتْ : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} جاءتِ امرأةُ أبي لهبٍ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جالسٌ ومعه أبو بكرٍ ، فقال له أبو بكرٍ : لو تَنَحَّيتَ لا تُؤذيكَ بشيٍء ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنه سيُحالُ بيني وبينَها ، فأقبلتْ حتى وقفتُ على أبي بكرٍ ، فقالتْ : يا أبا بكرٍ هَجَانَا صاحبُكَ ، فقال أبو بكرٍ : لا وَرَبِّ هذه البُنَيَّةِ ما ينطقُ بالشِّعْرِ ولا يَتَفَوَّهُ به ، فقالتْ : إنك لمصدَّقٌ ، فلمَّا وَلَّتْ قال أبو بكرٍ : ما رَأَتْكَ ؟ قال : لا ، ما زال مَلَكٌ يسترني حتى وَلَّتْ.
تزوَّج أمَّ كلثومٍ بنتَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُتيبةُ بنُ أبي لهبٍ وكانت رقيةُ عندَ أخيه عتبةَ بنِ أبي لهبٍ فلم يبنِ بها حتى بُعِث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلما نزل قولُه تعالَى تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ قال أبو لهبٍ لابنَيه عتبةَ وعتيبةَ رأسي في رؤوسِكما حرامٌ إنْ لم تطلِّقا ابنتَي محمدٍ وقالت أمُّهما بنتُ حربِ بنِ أميةَ وهي حمالةُ الحطبِ طلِّقاهما يا بَنَيَّ فإنهما صبأَتا فطلَّقاهما.
لما طلق عتيبةُ أمَّ كلثومٍ جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ فارقَها فقال كفرتُ بدينِك أو فارقت ابنتَك لا تجيئُني ولا أجيئُك ثم سطَا عليه فشقَّ قميصَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو خارجٌ نحوَ الشامِ تاجرًا فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أما إني أسألُ اللهَ أنْ يُسلطَ عليك كلبَه فخرج في تجرٍ من قريشٍ حتى نزلوا بمكانٍ يُقالُ له الزرقاءُ ليلًا فأطاف بهم الأسدُ تلك الليلةَ فجعل عتيبةُ يُقولُ ويلَ أمِّي هذا واللهِ آكلي كما قال محمدٌ قاتلي ابنُ أبي كبشةَ وهو بمكةَ وأنا بالشامِ فلقد غدا عليه الأسدُ من بينِ القومِ فضَغَمه ضغمةً فقتله.
هل سورة المسد مكية أم مدنية؟
سورة المسد من سور القرآن الكريم المكيّة، وعددُ آياتها خمس آيات، وقد نزلت هذه السورة بعد سورة الفتح، ويُطلق عليها أيضًا اسم سورة “تبت”.
سبب تسمية سورة المسد
سُمّيت سورة المسد بهذا الاسم لذكر اسم “المسد” فيها، والمَسَد يعني: الليف أو الشعر أو الوبر أو الصوف، وقد ذكر الله تعالى اسم المسد في الآية: “فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ”.
ورد في تفسير المسد في هذه الآية: سلسلة طولها سبعون ذراعًا يُسلك بها في نار جهنم، والتي توعّد الله تعالى بها لزوجة أبي لهب التي كانت تؤذي النبي -محمد -عليه الصلاة والسلام-، وكانت تعترض سبيل الدعوة الإسلامية، وحاكت الكثير من المؤامرات ضدّ الإسلام، ولهذا فإنّ حبل المسد يُناسب عملها الشائن الذي كانت تقوم به، على الرغم من أنّها زوجة عم الرسول -عليه السلام-، لكنّ الإسلام لا يهتم للقرابة أو النسب، ويهتم فقط بالعمل.
فضل سورة المسد
لم يرد في سورة المسد حديث صحيح يدل على فضلها، بل وردت بعض الأحاديث الموضوعة مثل: من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة”.
يتمثل فضل هذه السورة في أنها تعلمنا أن الرد على إعداد الإسلام يكون بالقول ويصدق على هذا القول بالفعل، وحينما نزلت هذه السورة العظيمة تبين منها الجزاء الذي ينتظر أبو لهب هو النار جهنم وبئس المصير.
من معجزات القرآن الكريم أنه أوضح أن مصير أبو لهب وزوجته النار، ولو أراد أن أبو لهب أن يكذب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أمام قوم قريش لكان أعلن إسلامه ونطق الشهادة ولكنه لم يفعل ذلك وهذا يؤكد أن القرآن الكريم معجزة إلهية وليس من تأليف البشر.