فن "السطمبالي" في تونس… هل ستكون الرقصة الأخيرة على طقوسه ام سيظل موروثا حيا للأجيال القادمة؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/660e89b1a05036.34710627_kmegpnlfqjhoi.jpg width=100 align=left border=0>
بوسعدية، تلك الشخصية المحورية في موسيقى السطمبالي. تاقوتي/ويكيميديا.


وات - تحرير سهيلة العيفة - يطلق عليه اسم "القناوة" في المغرب ويسمى في الجزائر "الديوان" وفي ليبيا يعرف بـ "المكاري"، أما في تونس فهذا النمط الموسيقي المتوارث يسمى "السطمبالي" وهي ممارسة متناقلة عن الأجداد تعود أصولها إلى بلدان افريقيا جنوب الصحراء، ثم امتدت فروعها بعد ذلك إلى بلدان المغرب العربي، حتى باتت اليوم موروثا موسيقيا وطقسا روحيا تعمل جمعية ثقافة فن السطمبالي "سيدي علي الأسمر" على المحافظة عليه من الاندثار.

وهذه الجمعية التي اتخذت مقام "سيدي علي الأسمر" وهو معلم تاريخي في باب جديد بالمدينة العتيقة بالعاصمة مقرا لها منذ سنة 2016 ، تعمل في الآن ذاته على حماية هذا الموروث الموسيقي وكذلك صيانة مقام الأجداد وحمايته من التفريط فيه وبيعه للمستثمرين الخواص رغم أنه جزء من المعالم التاريخية المحمية بموجب أمر مؤرخ في 22 جانفي 2024 والمتعلق بحماية المعالم التاريخية والأثرية.

...

وفي مقام سيدي علي الأسمر هذا المعلم الموغل في التاريخ والذاكرة، التقت وكالة تونس افريقيا للأنباء رياض الزاوش القائم على هذه الزاوية منذ ما يناهز 27 عاما، وهو مؤسس رئيس الجمعية وفرقة سيدي علي الأسمر، فتحدث عن البرمجة التي أعدتها الجمعية والموروث الموسيقي "السطمبالي"، إلى جانب مستقبل هذا الفن المهدد بالتلاشي والذي يعد شاهدا على التراث الروحي والثقافي للتونسيين ذوي البشرة السوداء.

وتحدث الزاوش عن حدثين مهمين تستعد لهما جمعية ثقافة فن السطمبالي "سيدي علي الأسمر" هما تظاهرة "براونة" في شهر التراث (18 أفريل - 18 ماي من كل عام) و"المولدية" في نسختها الثامنة إحياء لذكرى المولد النبوي الشريف.

وبالنسبة إلى التظاهرة الأولى "براونة" فهي اسم لإحدى القبائل الليبية المعروفة بفن السطمبالي ويسمونه هناك "المكاري". وتعتزم الجمعية المشاركة بمناسبة شهر التراث بحضور فرق السطمبالي من صفاقس ونفطة وتوزر بالإضافة إلى فرقة سيدي علي الأسمر من تونس. ويقام عرض "براونة" يومي 26 و27 أفريل الجاري بسيدي بوسعيد مع حضور ضيفين من المغرب العربي هما مجموعة "قناوة" من المغرب وفرقة "فن الديوان" من الجزائر.

// طقوس روحانية واحتفالية

وتتميز هذه التظاهرة بطقوسها الاحتفالية والروحية المرتكزة بالخصوص على المعتقدات المحلية المرتبطة بمشاعر التواصل مع الأولياء الصالحين. ومن المنتظر أن ينطلق البرنامج حسب التقليد بـ "الخرجة" ويجوب أزقة مدينة تونس نحو مقام سيدي محرز ثم بعد ذلك إلى مقام سيدي بن عروس. وتؤثثه ثماني فرق من القيروان ونفطة وتوزر وصفاقس وقابس وسوسة وأم العرايس بقفصة بإجمالي 94 فنانا في موسيقى السطمبالي ويحمل 30 عنصر السناجق. ويتوقع رياض الزاوش أن تستقطب "الخرجة" أكثر من 1000 متفرج.

أما "المولدية" التي تم التخلي عنها منذ عام 1942، فهي تقليد سطمبالي قديم تعمل الجمعية على إحيائه منذ عام 2016، حيث تقام "المولدية" أساسا في تونس والقيروان للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف. وتحرص فرقة سيدي علي الأسمر على إحياء هذا الموروث وتخليده، فهو يجمع بين الجانب الروحي والأغاني الشعبية والموسيقى والرقص، عبر تقديمه كتعبير فني يدور حول أوركسترا أستاذيها "اليينا" (المعلم) و"العريفة".

وتشكل القمبري والشقاشق والطبلة أهم الآلات الموسيقية المؤثثة لعروض السطمبالي، وهي آلات تصدر نغمات مختلفة.لاختلاف مواد صنعها: فالقمبري آلة وترية وإيقاعية يختص "اليينا" في العزف عليها، وأما الشقاشق فهي عبارة عن صفائح من معدن النحاس وتحاكي في نغماتها أصوات الأغلال وطرقات الحديد التي كبلت العبيد منذ قرون في رحلتهم نحو شمال إفريقيا.

وينشد فريق السطمبالي أغان تتضمن كلمات غير مفهومة يسمونها بـ "العجمي" على غرار "جاوايي" و"غالديما" و"كاروجيا"، وكثيرا ما كانت هذه الموسيقى تؤدي وظيفة علاجية روحية بالأساس، حسب رياض الزاوش، إذ يعتقد البعض أن الإيقاعات الموسيقية المعزوفة، تمنح المريض أو ما يسمى "المسكون بالأرواح"، رغبة في الرقص والانتشاء حد التخميرة، لتتدخل على إثرها "العريفة" لتشخص حالة المريض.

ومن أجل مزيد التعريف بهذه الموسيقى التقليدية، قدمت فرقة سيدي علي الأسمر عروضا في العديد من الفعاليات الوطنية، لا سيما على ركح المسرح الروماني بقرطاج في إطار الدورة 53 لمهرجان قرطاج الدولي سنة 2017، وفي مناسبات عديدة في مهرجان المدينة بتونس. أما خارج حدود الوطن فقد سجلت حضورها في عديد المهرجانات الموسيقية بكل من المغرب وفرنسا وبلجيكا. وإلى جانب التغطية الإعلامية الواسعة، كانت موسيقى السطمبالي موضوع معرض خاص للمصور الفرنسي "أوغستين لوغال" سنة 2017 تحت عنوان "الرقصة الأخيرة في قلب طقوس السطمبالي". وفي عام 2022، قدمه الثنائي "أوغستين لوغال" و"تيوفيل بيلو" في شكل فيلم وثائقي بعنوان "سطمبالي، رقصة الأرواح الأخيرة" وتم بثه في ثلاثة أجزاء.

ويستعرض رياض الزاوش ذكرياته مع فن السطمبالي وهو يتأمل مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية القديمة لأساتذة هذا الموروث الموسيقي الذي يشد أنفاسه أمام النسيان ويصارع لترسيخ مكانته في الذاكرة الشعبية الراهنة، وهي صور توضح جزءا من التاريخ الذي تكشف كل غرفة من غرف الزاوية عن آثار هذا الإرث الأصيل.

وأعرب رياض الزاوش في حديثه مع "وات" عن خشيته من أن تصبح هذه الجوهرة الأخيرة من التراث الصوفي الذي يحافظ على تاريخ وذاكرة السطمبالي في مدينة تونس، في طيات المنسيات التراثية، لذلك فهو شديد الحرص للحفاظ عليها ونقلها للأجيال اللاحقة لأن هذا الموروث الموسيقي يوثق مأساة إنسان حر تمّ تكبيله بالأغلال والسلاسل ومن ثمة اقتياده إلى العبودية.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 285216


babnet
All Radio in One    
*.*.*