تضخّم عدد المترشحين

شارك4873 مترشحا في امتحان الباكالوريا بقفصة من جملة 126372 على المستوى الوطني وهو ما يمثل نسبة ( 3.9بالمائة من المترشحين) والتي تفوق الوزن الديموغرافي للولاية للشريحة العمرية 15-19 سنة، والذي نسبته 3.1 بالمائة، حسب الإحصاءات الرسمية .

اعتمادا على الوزن الديموغرافي ومقارنة بالمعدل الوطني تقدم ولاية قفصة عدد من المرشحين يفوق 25 بالمائة ما يفترضه وزنها الديموغرافي .

وفي مقارنة مع الولايات المتصدرة للترتيب، تقدم ولاية المنستير نسبة من المترشحين (5.18 بالمائة) تقلّ عن وزنها الديموغرافي (5.63 بالمائة). بمعنى ان عدد المترشحين من الولاية يقلّ ب8 بالمائة عمّا يفترضه وزنها الديموغرافي للشريحة العمرية المعنية . كذلك تقدم مندوبيتا ولاية صفاقس مجتمعتين 7.2 بالمائة من عدد المترشحين مع أن الوزن الديمغرافي للشريحة العمرية15-19 سنة بصفاقس يمثل 8.5 بالمائة وبذلك يقل عدد المترشحين بالولاية بنسبة 15 بالمائة عمّا يفترضه الوزن الديموغرافي . وكمقارنة تقدم ولاية قفصة عدد من المشاركين في الباكالوريا يفوق ولاية المنستير بنسبة 33 في المائة ويفوق ولاية صفاقس بنسبة 40 في المائة بالنظر لما يستوجبه الوزن الديموغرافي للولايات المذكورة .

كخلاصة اولية تقدم الولايات المتصدرة للترتيب عددا من المترشحين يقل عن ما يفترضه وزنها الديموغرافي بنسبة تتراوح بين 8 و15 في المائة ، في حين تقدم الولاتات المهمشة فائضا من المترشحين بلغ في قفصة 25 بالمائة مما يستوجبه وزنها الديموغرافي .




التشبث اليائس بالتعليم وغياب البدائل

يفهم من الأرقام السابقة، وخلافا لخطاب متداول، تشبث شباب الجهات المهمشة (قفصة نموذجا) بالتعليم -مع علمهم بضعف النتائج-
ففي غياب فرص التشغيل وضعف مرفق التكوين المهني (2 مراكز تكوين مهني بالولاية). تقلّ البدائل وتضيق الأفاق ويواجه العديد من تلاميذ المناطق المهمشة خيارات صعبة أو خطيرة أو لا يقدرون على كلفتها وتتراوح الخيارات بين البطالة او التشغيل الهش أو النزوح الى ولايات بعيدة (الولايات المجاورة ليس أفضل حالا) أو الهجرة السرية او الاندماج في النشاط الاقتصادي الموازي والتهريب أو ما شابه من أنشطة .
عمليا فرض غياب البدائل في الجهات المهشمة التشبث اليائس بالتعليم .

ويدفع البحث عن النجاح من خلال الدراسة كفرصة وحيدة للإفلات من البؤس الاجتماعي إلى مظاهر متنوعة منها بلوغ نسبة المرشحين من المعاهد الخاصة والترشح الفردي الى حدود 23 بالمائة في حين أن نسبتهم على المستوى الوطني 13 بالمائة، وكذلك تعدد معاهد التعليم الخاص بالجهة (13 معهدا خاصا مقابل 28 معهد عمومي) وتفشي الدروس الخصوصية وانتشار الممارسات المحفوفة بالمخاطر كمؤشر لبداية الاستعداد للخروج عن القانون مثل انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات( 72 حالة في قفصة في الدورة الأولى بعد القصرين ب83 حالة) وهي ظاهرة موزعة بين كل الشعب بنسب متقاربة باستثناء شعبة الرياضيات التي تعرف اكبر نسبة نجاح في الجهة.

في قراءة ما تبدو ممارسة الغش للبعض اقل خطرا واضعف كلفة من اغلب البدائل المتوفرة مثل الهجرة السرية أو الاتجار في الممنوعات أو التهريب، وهو أيضا خيار (الغش) يتطلب إمكانيات في المتناول وكلفته دون ما يستوجبه النزوح إلى جهات أخرى للبحث عن العمل آو للتكوين المهني . في آخر تحليل تأتي ظاهرة الغش في الامتحانات كإفراز موضوعي لضيق الأفق وباعتباره المخاطرة الأقل كلفة مقارنة بالبدائل المتوفرة مثل هجرة السرية او التهريب .

في المقابل، تقدم الجهات المستفيدة للتلاميذ الذين يلاقون صعوبات في دارستهم فرصا فضل للعمل بالنظر إلى نسب البطالة المنخفضة، وتوفر لهم إمكانية للاندماج المهني من خلال التدريب والتكوين المهني بالمراكز العمومية المتعددة ( 12 بولاية المنستير و 8 بولاية صفاقس) إضافة إلى المراكز المنتشرة في الولايات المجاورة، وتضع لهم بدائل أخرى مما يساعدهم على مغادرة الدراسة بشكل طوعي ضمن مشروع مستقبلي وهو ما ينعكس في انخفاض عدد المشاركين في الباكالوريا من تلك الجهات .
وتكمن أهمية ظاهرة "التشبث بالدراسة الى آخر رمق " كسبيل وحيد للخلاص في الربط بين الأوضاع التنموية والنسيج الاقتصادي وبين تدني نتائج الباكالوريا وتفشي الظواهر المصاحبة. وهو عامل يخرج من مسؤولية المنظومة التربوية .


الانخرام في توزيع الشعب: مسالة عملية أم خيار سياسي

في مقارنة لتوزيع المرشحين حسب الشعب يلاحظ تفاوت بين النسب الوطنية مع مثيلاتها في ولاية قفصة .




- تضم شعبة الآداب في قفصة عددا من التلاميذ يفوق النسب الوطنية ب 60 في المائة (32 بالمائة عوض عن 20 بالمائة) وهو وضع متواتر منذ مدة فقد أفاد المندوب الجهوي في تصريح صدر في جويلية 2017 (مذكور بالمرجع) ان "شعبة الآداب تمثل حوالي 40 % من المرشحين".
- من ناحية اخرى يفوق عدد المترشحين في شعبة العلوم التجريبية النسبة الوطنية بمقدار الربع (26.5 بالمائة عوض عن 20.76 بالمائة كنسبة وطنية).
- يتمثل التباين الثالث و الأخير في تدني عدد المرشحين من شعبة الاقتصاد والتصرف من 30.45 بالمائة كمعدل وطني الى 11.6بالمائة بولاية قفصة .وهو ما يمثل 60بالمائة من النسبة الوطنية للشعبة.

و حول الأسباب التي تقف وراء هذا الانخرام تتراوح الاجابة شبه الرسمية بين القول ب"ان أبناء الجنوب ميالون بطبعهم إلى الأدب وينفرون من العلوم " وهو تبرير ايديولوجي ليس له ما يدعمه ، ويفيد التفسير الثاني بان ضعف التحصيل في المستوى الابتدائي والإعدادي لا يمكن الكثير من التلاميذ الذين بلغوا مرحلة التوجيه إلا من مواصلة الدراسة في شعبة الآداب وبذلك يتراكم عدد الموجهين إلى شعبة الآداب وهو إقرار ضمني بضعف أداء المنظومة التربوية في الجهة مقارنة بغيرها. ويميل البعض إلى اعتبار التفاوت في نسب النجاح وفي توزيع المرشحين حسب الشعب نتيجة موضوعية للسياسات التنموية وهي تعكس الإرادة السياسية التي " أوكلت إلى تلك الجهات وظيفة توفير يد عاملة رخيصة للمهن الوضيعة" كما جاء في الكتاب الأبيض الصادر عن وزارة التنمية سنة 2011.
تعد شعبة الآداب، فائضا ب60 من المائة من مرشحي الجهة مقارنة بالنسبة الوطنية ، وهي الشعبة الأدنى في نتائجها على المستوى الوطني، مما ينعكس بالضرورة سلبا على نتائج الجهة . بغض النظر عن النوايا، موضوعيا، يساهم توزيع الشعب في تدني نسبة النجاح.

ضعف النتائج والإنفاق العمومي.
يكتشف المتمعن في نتائج الجهة الى حقيقة مفادها ان الجهة لم تبلغ المعدل الوطني في كل الشعب مع فارق مهم يتراوح بين 4 و7 بالمائة لشعب الآداب و الرياضيات و الاقتصاد و التصرف والإعلامية والرياضة وفارق حاد يفوق 10 بالمائة في شعب العلوم التجريبية والعلوم التقنية .



كما تفيد النتائج على حصول المتفوقين بالجهة بشعب الآداب والاقتصاد والتصرف وعلوم الاعلامية على معدلات لم تتجاوز 14.80 على 20 مما يعني ضمنا عدم تحصل إي مرشح على ملاحظة حسن جدا في هذه الشعب . بينما حصل المتفوقون في بقية الشعب على معدلات تقل عن المتفوقين وطنيا بما يناهز او يفوق نقطة على عشرين مما يعني استبعاد استفادتهم بالدراسات النخبوية بالخارج او في معهد الدراسات التحضيرية بالمرسى

وفي البحث عن الأسباب المباشرة يمكن إثارة عدد من العوامل منها أولا ، كفاءة المنظومة التربوية على المستوى الجهوي بمكوناتها الإدارية والبيداغوجية والتدريسية وهناك معطيات حول التسيير الاداري والبيداغوجي وارتفاع نسبة المدرسين النواب و معدل اقدمية المدرسين ونسب التغيب. ويتمثل العامل الثاني في وجود إطار تشريعي يمكن المركز والنقابة من نقلة المدرسين الأكفاء إلى جهات أخرى من دون مراعاة مصلحة التلاميذ وهو تجسيد لشعار مفاده ان "المربي هو محور العملية التربوية" والذي رفعه الوزير الحالي حين توليه الوزارة وهو شعار يتفق فيه مع النقابات مع انه ينعكس ضررا على الجهات المهمشة. وبالنظر إلى موازين القوى وطبيعة اشتغال الإدارة التونسية قد يكون التخلي عن الانتداب المركزي واعتماد الانتداب على مستوى المندوبيات حلا مناسبا. ويتمثل العنصر الثالث في مسالة توزيع المترشحين بين الشعب . وهي عوامل يمكن فهمها على أنها نتيجة لسياسات الأنفاق العمومي في التعليم وفي المرفق العمومي بالجهة لتضمن السلطة تواصل اشتغال منظومة التهميش .


المراجع والمصادر
1/ نتائج االتعداد العام للسكان لسنة 2014 .المعهد الوطني للإحصاء تاريخ النشر 2016.
2/ ترتيب المندوبيات الجهوية باكالوريا 2019 الدورة الرئاسية .وزارة التربية.
3/احصاء نتائج الباكالوريا كل الاصناف جوان2019 الدورة الرئاسية.وزارة التربية
4 /احصاء نتائج الباكالوريا المعاهد العمومية جوان2019 الدورة الرئاسية.وزارة التربية
5 /احصاء نتائج الباكالوريا المعاهد الخاصة جوان2019 الدورة الرئاسية.وزارة التربية
6/احصاء نتائج الباكالوريا حسب المندوبيات .مندوبية قفصة جوان2019 الدورة الرئاسية.وزارة التربية .
7/ قائمة المتفوقين على المستوى الجهوي قفصة جوان2019 الدورة الرئاسية.وزارة التربية .
8/ترتيب المعاهد العمومية بقفصة دورة 2017
9/ مقالة صخفية صادرة عن وكالة افريفيا تونس للانباء "وات" بتاريخ 1 جويلية 2019 تحت عنوان "قفصة: نسب النجاح في الدورة الرئيسية لامتحان البكالوريا 2019 تسجل تحسّنا مقارنة بالسنوات الفارطة."
10/ مقالة بجريدة الشروق 12 جويلية 2017 تحت عنوان " قفصة .. رغم تطور نسب النجاح في الباكالوريا.. مشاغل واشكالات تربوية في حاجة الى مراجعات جذرية"
11/ تصريح مدير مساعد بمندوبية التربية بقفصةلاذاعة قفصة حول نتائج الباكالوريا بتاريخ 24 جوان 2018.