
ما الذي يُفاقم العواصف الرملية ويجعلها أكثر خطورة؟ Bookmark article

من الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، اجتاحت العواصف الرملية والترابية مؤخراً أنحاءً عديدة من العالم، وغيّرت لون السماء وسببت مشكلات في التنفس لدى الناس.
تنشأ هذه العواصف عادةً في الصحاري الشاسعة. ومع ذلك، يقول خبراء لبي بي سي إن تغير المناخ يعني تأثر المزيد من البشر - فالتصحر وذوبان الأنهار الجليدية على سبيل المثال، ينتج عنهما المزيد من الغبار.
وقد أفادت منظمة الصحة العالمية في تقريرٍ حديثٍ لها بأنها لاحظت زيادةً في وتيرة وشدة هذه العواصف في منطقة البحر الأبيض المتوسط وخارجها.
ودعت الأمم المتحدة إلى بذل المزيد من الجهود العالمية للتخفيف من آثارها.

ما الذي يُسبب العواصف الرملية والترابية؟
تُعدّ هذه العواصف جزءاً من الدورة الطبيعية للأرض، وتتشكل عندما ترفع الرياح القوية الرمال والغبار من التربة الجافة إلى الغلاف الجوي.
ووفقاً للأمم المتحدة، يصل حوالي مليوني طن من الرمال والغبار إلى الغلاف الجوي كل عام.
يقول ريتشارد واشنطن، أستاذ علوم المناخ بجامعة أكسفورد، إن حوالي نصف الغبار المنبعث يأتي من الصحراء الكبرى.
ويمكن لجسيمات الغبار أن تقطع آلاف الكيلومترات، لذا فإن الغبار القادم من أفريقيا على سبيل المثال، يمكن أن يصل إلى أماكن مثل أوروبا وغابات الأمازون المطيرة والمحيط الأطلسي.
ويوضح الدكتور واشنطن أن هذه الجسيمات خلال هذه الرحلة، تحمل مغذيات تُخصب المحيطات واليابسة، داعمةً بذلك النظم البيئية البحرية والبرية.
ويقول إنها "جزء لا يتجزأ من آلية عمل الكوكب".
وتشمل المصادر الرئيسية الأخرى للغبار الصحاري، مثل صحراء جوبي في آسيا والصحراء العربية في الشرق الأوسط.

ما مدى خطورتها؟
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن العواصف الرملية والترابية تؤثر على حوالي 330 مليون شخص حول العالم.
ويمكن أن تُسبب مشاكل تنفسية لدى البشر، بالإضافة إلى نفوق الماشية، وتدمّر المحاصيل، وتُجبر الدول على إغلاق الطرق والمطارات بسبب ضعف الرؤية.
فعلى سبيل المثال، تسببت الرياح العاتية في ولايتَيْ تكساس وكانساس الأمريكيتين في مارس/آذار، في عواصف رملية أدت إلى تصادم مركبات ووفاة عشرات الأشخاص، بينما تسببت عاصفة منفصلة في نيو مكسيكو في انخفاض الرؤية وحوادث سيارات.
وبعد أسابيع من هذه العواصف، أصيب أكثر من ألف شخص بمشاكل في الجهاز التنفسي بعد أن اجتاحت عاصفة رملية العراق.
ووفقاً للأمم المتحدة، فقد تؤدي جزيئات الغبار الناتجة من العواصف - إذا علقت في الأنف أو الفم - إلى اضطرابات مثل الربو أو الالتهاب الرئوي.
ويمكن لجسيماته الدقيقة أن تخترق أجزاء أعمق في الجسم، لتصل إلى مجرى الدم وتؤثر على جميع الأعضاء.
كما تساهم العواصف الرملية في تلوث الهواء من خلال زيادة تركيز الجسيمات.
وتقول الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سيليست ساولو، إنها "تضر بصحة ونوعية حياة ملايين الأشخاص، وتكلف ملايين الدولارات من خلال تعطيل النقل الجوي والبري، والزراعة، وإنتاج الطاقة الشمسية".
- كيف تؤثر الميكروبات التي تعيش في السُحب على حياتنا
- عاصفة رملية في العراق تتسبب بأكثر من 3700 حالة اختناق، وإغلاق مطارات جنوب البلاد

ويشير تقرير جديد نشرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى أن المناطق الأكثر عرضة لانتقال الغبار لمسافات طويلة هي المحيط الأطلسي بين غرب أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، وأمريكا اللاتينية، والبحر الأبيض المتوسط، وبحر العرب، وخليج البنغال، ووسط شرق الصين.
ويتوقع التقرير، أن يشهد عام 2024 ظهور العديد من البؤر الساخنة "ذات تركيزات غبار أعلى بكثير".
وشملت هذه البؤر العديد من الدول الأفريقية مثل ليبيريا وساحل العاج "كوت ديفوار" وغانا والكاميرون، ومصر، وأمريكا اللاتينية - لا سيما كولومبيا وفنزويلا والبرازيل - والصين، وأجزاء من آسيا الوسطى مثل كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان.
كما تأثر البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا بالعواصف الرملية.
ووفقاً لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بلغت تكلفة التآكل الذي يسببه الغبار والرياح في الولايات المتحدة ما يُقدر بـ 154.4 مليار دولار أمريكي في عام 2017.
كيف يمكن أن تتفاقم العواصف الرملية؟
لطالما شكلت هذه العواصف تهديداً كبيراً بحسب الدكتور واشنطن. ومع ذلك، يقول إن بعض آثار تغيّر المناخ قد تزيد من كمية الغبار بسبب الرياح.
وتضيف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الجفاف، وسوء إدارة الأراضي، وتوسع المناطق المتضررة من حرائق الغابات، كلها عوامل تساهم في تزايد خطر العواصف الرملية والترابية.
وتقول الدكتورة سارة بسارت، المسؤولة العلمية في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "في كل جزء من العالم تصدر فيه تحذيرات من التصحر، يصدر تحذير بشأن العواصف الرملية والغبار - لأنها ناتجة عن هذا التصحر".
وتشير إلى أن بعض المناطق التي لم تكن صحراوية في الأصل، وكانت مكتظة بالسكان - مثل جنوب أوروبا - معرضة لخطر أن تصبح أكثر جفافاً.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، كشف تقرير مدعوم من الأمم المتحدة أن العامين الماضيين، شهدا بعضاً من أشد موجات الجفاف تدميراً في التاريخ المسجل في المنطقة الممتدة من الصومال إلى أوروبا.
كما سلط التقرير الضوء على آثار هذه الموجات في أفريقيا، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، وأمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا.
ويضيف الدكتور واشنطن أن ذوبان الأنهار الجليدية يُشكل خطراً آخر، إذ سيكشف عن مواد دقيقة للغاية كانت مخفيّةً تحته لآلاف السنين.
وفي فبراير/شباط من هذا العام، حذّرت دراسة من أن الأنهار الجليدية في العالم تذوب بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري.
ويشير الدكتور واشنطن إلى أن "هذا يُؤدي إلى تدفق مصادر جديدة للغبار في جميع أنحاء الكوكب. والأمر المثير للاهتمام، هو أن الأمر يتطلب رياحاً بنصف سرعة رياح الصحراء الكبرى لرفع الغبار، نظراً لدقته الفائقة".
ما الحل؟
يؤكد الدكتور واشنطن أن أهم خطوة لتجنب أي زيادة محتملة في كمية الغبار هي السيطرة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
إذ يعمل ثاني أكسيد الكربون كغطاء، فيحبس الطاقة الزائدة في الغلاف الجوي ويتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
وتضيف الأمم المتحدة أن حوالي 25 في المئة من انبعاثات الغبار العالمية ناتجة عن الأنشطة البشرية، مثل البناء والزراعة، وممارسات التوسع العمراني وقطع الأشجار التي تجعل التربة عرضة للتآكل بفعل الرياح.
وتوضح الأمم المتحدة أنه "بما أن العواصف الرملية والترابية ناجمة عن الأنشطة البشرية، فيمكن أيضاً الحد من هذه العواصف من خلال الإجراءات البشرية".
ويؤكد الدكتور واشنطن على أهمية الاستثمار في أنظمة التنبؤ.
بينما توضح الدكتورة سارة باسارت أن تدابير أخرى - مثل زراعة المزيد من الأشجار والحفاظ على رطوبة التربة - يمكن أن تساعد أيضاً في الحد من آثار هذه العواصف وخطر تزايد حدوثها.
وتقول إنه "يمكن لهذه المشكلة أن تتفاقم، أو يمكننا التخفيف من حدتها"، مضيفةً أن الكثير يعتمد على قرارات الناس.
- بالصور: قتلى ومفقودون في أسوأ فيضانات تشهدها ولاية تكساس وتحذيرات من موجة جديدة
- أعاصير وحرائق غابات وعواصف رملية في الولايات المتحدة تُخلّف قتلى وأضراراً جسيمة
- مع نهاية عام 2024: إنجازات تحققت في المناخ والطبيعة ربما لم تسمع عنها، فما هي؟
