وزارة الدفاع السورية تعلن وقف إطلاق النار في السويداء بعد دخول القوات الحكومية وسط اشتباكات وقصف إسرائيلي Bookmark article

السويداء
Reuters

أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة الثلاثاء وقفاً تاماً لإطلاق النار في السويداء عقب الاتفاق مع وجهاء المدينة، وذلك بعد ساعات من بدء دخول قواته إليها بالتزامن مع اشتباكات عنيفة وقصف إسرائيلي.

وكان الشيخ الدرزي البارز حكمت الهجري قد رحّب بدخول القوات الحكومية، لكنه سرعان ما استأنف ودعا إلى "التصدي لهذه الحملة البربرية بكل الوسائل المتاحة". وقال في بيان مصور لاحق "رغم قبولنا بهذا البيان المذل من أجل سلامة أهلنا وأولادنا، قاموا بنكث العهد والوعد واستمر القصف العشوائي للمدنيين العُزّل".

وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن الجيش السوري بدأ بسحب الآليات الثقيلة من السويداء، تمهيداً لتسليم أحياء المدينة لقوى الأمن الداخلي.

وحذرت وزارة الداخلية من ارتكاب أي تجاوزات أو تعديات على الممتلكات العامة والخاصة، وأنها ستتخذ الإجراءات القانونية الصارمة بحق أي عنصرٍ يثبت تورطه في مثل هذه الأفعال، دون تهاون أو استثناء.

وأفادت وكالة سانا قي وقت سابق أن الطيران الإسرائيلي استهدف مدينة السويداء الثلاثاء بالتزامن مع دخول القوات الحكومية إليها، وذلك غداة "تحذير واضح للنظام السوري" وجّهه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الإثنين بعدم استهداف الدروز.

ودخلت القوات الحكومية السورية مركز مدينة السويداء صباح الثلاثاء، وذلك بعد يومين من اشتباكات دامية بين " مقاتلين دروز وعشائر من البدو" خلّفت نحو 100 قتيل.

  • لمتابعة أهم الأخبار وأحدث تطورات الاشتباكات في سوريا، انضم إلى قناتنا على واتساب (اضغط هنا).

وكان مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن قد أفاد لبي بي سي بارتفاع عدد قتلى الاشتباكات في محافظة السويداء بجنوب سوريا لأكثر من 100 قتيل.

وقالت وزارة الدفاع السورية إنَّ 18 فرداً من قوات الأمن قُتلوا في محافظة السويداء، إثر "تعرضهم لهجمات غادرة من مجموعة مسلحة خارجة عن القانون، خلال تنفيذ وحدات الجيش لمهامها الوطنية في فض النزاع وبسط الاستقرار".

"عمليات تمشيط للتخلص من السلاح المنتشر"

ووفقاً لما أفادت به إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية لبي بي سي عربي فإن "قوات الجيش والأمن الداخلي تدخلت في المناطق التي كانت تشهد صراعاً بين العشائر المحلية في ريف محافظة السويداء الغربي ومجموعات من داخل المحافظة"، لإيقاف الاشتباكات. وبحسب وزارة الدفاع "تجري الآن عمليات تمشيط لمحاسبة هذه المجموعات وإعادة الأمن والاستقرار إلى المحافظة، والتخلّص من السلاح المنتشر بشكل عشوائي في المحافظة".

من جهته، اتّهم باسم فخر المتحدث باسم حركة رجال الكرامة "فصائل لا تحمل عقيدة وطنية" إلى جانب بعض من عشائر البدو التي تساندها بتنفيذ "عمليات قتل ونهب وحرق" في بعض القرى الدرزية. مضيفاً أنّ المهاجمين "سيطروا على خمس بلدات على مشارف السويداء"، وفقاً لما نقلته وكالة فرانس برس.

رجال مسلحون يسيرون على جانب الطريق رافعين أسلحة ورشاشات.
Getty Images
أعلنت وزارة الدفاع السورية أنها بدأت بنشر وحدات عسكرية في محافظة السويداء الجنوبية، عقب اشتباكات بين مقاتلين دروز وعشائر من البدو

في هذه الأثناء، وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، عبر حسابه على منصة إكس تحذيراً لدمشق بعد ضرب الجيش الإسرائيلي عدة دبابات في جنوب سوريا لمنعها من الوصول إلى قرية درزية قريبة من مكان الاشتباكات.

وكتب كاتس، قائلاً: إن الضربات الإسرائيلية كانت "رسالةً وتحذيراً واضحاً للنظام السوري. لن نسمح بإلحاق الأذى بالدروز في سوريا. إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي".

كما قال المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، في بيان إن الجيش هاجم في وقت سابق دبابات (في إشارة إلى الدبابات السورية) "وهي تتحرك نحو منطقة السويداء"، معتبراً أن "وجود تلك الوسائل في منطقة جنوب سوريا قد يشكل تهديداً على دولة إسرائيل".

عناصر من قوات الأمن السورية في قرية الصورة الكبرى، في أعقاب اشتباكات بين مسلحين سنة ومقاتلين دروز، في محافظة السويداء بتاريخ 2 مايو/أيار 2025
Reuters
عناصر من قوات الأمن السورية في قرية الصورة الكبرى، في أعقاب اشتباكات بين مسلحين سنة ومقاتلين دروز، في محافظة السويداء بتاريخ 2 مايو/أيار 2025

وشدّد أدرعي على أن الجيش "لن يسمح بوجود تهديد عسكري في منطقة جنوب سوريا وسيتحرك ضده ويواصل مراقبة التطورات في المنطقة".

وهاجم الجيش الإسرائيلي دبابات سورية في قرية سميع بمحافظة السويداء جنوبي سوريا. وذكرت القناة 14 الإسرائيلية أن الهجوم جاء بعد "تحركات مشبوهة" لتلك الدبابات، وسط اشتباه بأنها كانت تتجه نحو منطقة مأهولة بالدروز في سوريا، وفقاً للتقرير.

وتعيد هذه الاشتباكات الدامية إلى الواجهة التحديات الأمنية التي لا تزال تواجهها السلطة الانتقالية في سوريا منذ وصولها إلى الحكم بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.

https://twitter.com/AvichayAdraee/status/1944776206542598510

"فوضى وانفلات أمني"

وفي تصريحات خاصة لبي بي سي عربي، قال نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، إن اشتباكات السويداء تعكس "حالة من الفوضى والانفلات الأمني نتيجةً لإصرار بعض التيارات المنعزلة على الابتعاد عن الخط الوطني وعرقلة مؤسسات الدولة في الدخول والعمل"، بحسب تعبيره.

وردّاً على سؤال عن مساعي أجهزة الأمن لنزع سلاح أكبر فصيلين درزيين في السويداء وهما "رجال الكرامة" و"لواء الجبل"، قال البابا إن الأجهزة الأمنية قادرة منذ البداية على "فرض إرادة القيادة"، لكن الحكومة "غلّبت صوت العقل والحكمة للحفاظ على حياة المدنيين في المحافظة"، وفقاً لتعبيره.

كما قال البابا إن هناك قنوات اتصال بين وزارة الداخلية و الفصائل المسلحة والوجهاء في السويداء للحوار والتهدئة.

يأتي هذا فيما أفاد الناطق باسم حركة رجال الكرامة، أحد أبرز الفصائل المسلحة الدرزية، بوجود مفاوضات جارية في محافظة السويداء بين السلطات السورية وممثلين عن الدروز في مسعى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار عقب الاشتباكات الدامية، وفقاً لوكالة فرانس برس.

وقال باسم فخر: "هناك مفاوضات للوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار وحَلٍ بين وجهاء مدينة السويداء ومندوبين ممثلين عن الأمن العام ووزارة الدفاع".

https://www.facebook.com/Sy.Defense/posts/pfbid06r9XfNxSzt3NsoMies9scSTJK6M3tpqeDmwfsJCHMdxFT24NafbDrrm4vm78G49Nl

وإثر الاشتباكات، أعلنت وزارة الدفاع أنها باشرت "بالتنسيق مع وزارة الداخلية، نشر وحداتنا العسكرية المتخصصة في المناطق المتأثرة، وتوفير ممرات آمنة للمدنيين، وفكّ الاشتباكات بسرعة وحسم".

وتعتبر هذه الاشتباكات هي الأولى منذ توقيع اتفاق تهدئة بين ممثلين عن الحكومة السورية وأعيان دروز بعد اشتباكات عنيفة بين الدروز وقوات الأمن في أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، وأوقعت عشرات القتلى.

فماذا حدث في محافظة السويداء لتعود الاشتباكات إليها مجدداً؟

قال معاون قائد الأمن الداخلي لشؤون الشرطة في السويداء، العميد نزار الحريري، إن عودة الاشتباكات المسلحة إلى محافظة السويداء، ناجمة عن "حادثة سلب وقعت مؤخراً على طريق دمشق - السويداء طالت أحد المواطنين العاملين في القطاع التجاري وما أعقبها من ردود فعل متوترة تمثّلت بوقوع عمليات خطف متبادلة".

من جهته، كتب وزير الداخلية أنس خطاب على موقع "إكس" أن "غياب مؤسسات الدولة، وخصوصاً العسكرية والأمنية منها، سببٌ رئيسيٌّ لما يحدث في السويداء وريفها من توترات مستمرة"، معتبراً أن "لا حلّ لذلك إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها".

واندلعت اشتباكات عنيفة في حي المقوس شرقي السويداء الذي تقطنه عائلات بدوية، بعد هجوم نفّذه مسلحون دروز لتحرير نحو 10 أشخاص احتجزهم عناصر من البدو صباح الأحد، ردّاً على احتجاز مسلحين دروز لأشخاص من البدو على خلفية اعتداءٍ تعرّض له سائق شاحنة درزي في ريف دمشق.

وتشكّل محافظة السويداء أكبر تجمع للدروز في سوريا، الذين يقدر عددهم بنحو 700 ألف نسمة.

وعلى الرغم من توصُّل الحكومة السورية ومشايخ السويداء لاتفاق يقضي بتفعيل الشرطة داخل محافظة السويداء، وحماية طريق دمشق السويداء، الذي يُعدّ شريان حياة لسكان المحافظة، لكنّه - وبحسب منصة السويداء 24 - استمرّت "الاعتداءات" على هذا الطريق ما أدى لتفاقم التوترات المجتمعية داخل محافظة السويداء.

https://www.facebook.com/Suwayda24/videos/1556304245373160/

ويوم الأحد، قالت منصة السويداء 24، إن حاجزاً لشرطة محافظة السويداء التابع لقيادة الأمن الداخلي، تعرّض لاستهداف من مجموعة مسلحة من جهة منطقة براق على طريق دمشق، اندلعت على إثره اشتباكات بين عناصر الشرطة والمسلحين.

كما استهدف المسلحون ذاتهم - بحسب المنصة - قرية الصورة الكبيرة في ريف السويداء الشمالي بقذائف الهاون.

ومنذ صباح الأحد قطعت مجموعات مسلحة في مناطق متفرقة من ريف دمشق - منها منطقة براق - طريق دمشق السويداء، ما دفع الحواجز الأمنية لإيقاف حركة المرور على الطريق.

كما امتدت التوترات في حي المقوس إلى بعض المناطق في ريفَيْ السويداء الغربي والشمالي.

إذ تعرّض محيط قرية الطيرة بالريف الغربي للسويداء، لهجوم مجموعات مسلحة من الجهة الغربية، كما شهدت قرية لبين اشتباكات بعد تعرضها لاستهداف من الجهة الغربية.

وفي شمالي المحافظة، شهدت قرية الصورة، استهدافاً لحاجز شرطة السويداء التابع لقوى الأمن الداخلي، وتم إطلاق قذائف هاون باتجاه القرية من مجموعات مسلحة تجمعت في منطقة براق بحسب السويداء 24.

وقال سوريون من السويداء ومن محافظات أخرى على منصات التواصل الاجتماعي، إن حادثة السويداء، وما تبعها من اشتباكات مع بعض عشائر البدو، لم تكن السبب الحقيقي خلف تصاعد العنف في المحافظة، بل مجرّد "شرارة" أشعلت ناراً كامنة في ظل واقع سياسي معقّد.

وأضافوا أن ما جرى يُشبه أحداثاً أخرى شهدتها البلاد، حيث تتحول حوادث فردية إلى مواجهات أوسع في بيئة متوترة. وأكد بعضهم أن "الاستعصاء السياسي وغياب الحوار الوطني" هو السبب الجذري لما يحدث في السويداء وغيرها من المناطق، وسط شعور متزايد لدى عدد من المكونات السورية - من بينها الدروز والأكراد والعلويون والمسيحيون وشريحة من السنة - بأن المسار السياسي الحالي لا يُمثلهم.

ويحذّر هؤلاء من أن اعتماد القوة في بسط سيطرة الدولة، دون معالجة سياسية شاملة، قد يؤدي إلى إدارة شكلية للمناطق دون أن يؤسس لعقد اجتماعي جديد، ما يُبقي التوتر قائماً والعنف كامناً في انتظار تبدّل موازين القوى على الأرض.

دعوات للتهدئة

وأعلنت وزارة الداخلية السورية أن وحدات من قواتها بالتنسيق مع وزارة الدفاع، ستبدأ تدخلاً مباشراً في المنطقة لفض النزاع وإيقاف الاشتباكات وفرض الأمن وملاحقة المتسببين بالأحداث وتحويلهم إلى القضاء المختص.

من جهتها، أعلنت وزارة التربية والتعليم "تأجيل امتحان مادة التربية الدينية في امتحانات الشهادة الثانوية العامة في الفرعين العلمي والأدبي المقررة يوم الاثنين في محافظة السويداء فقط، إلى موعد يحدد لاحقاً".

في غضون ذلك، دعا محافظ السويداء مصطفى البكور إلى "ضرورة ضبط النفس والاستجابة لتحكيم العقل والحوار"، مشيراً إلى جهودٍ من الجهات المحلية والعشائرية لاحتواء التوتر، ومؤكداً أنّ "الدولة لن تتهاون في حماية المواطنين".

كما طالب بيان نُسب لأهالي حي المقوس في مدينة السويداء على مواقع التواصل الاجتماعي، بـ"التهدئة وحقن الدماء في محافظة السويداء".

ودعا البيان لـ"وقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء الاشتباكات في حي المقوس ومحيطه، والإفراج عن جميع المخطوفين من الطرفين، وفتْح باب الحوار والتواصل بين جميع المكونات برعاية عقلاء ووجهاء المحافظة، وتغليب المصلحة العامة والمحافظة على السلم الأهلي فوق أي اعتبارات فئوية أو شخصية".

فيما دعت قيادات روحية درزية إلى "الهدوء"، وحثّت الحكومة في دمشق على التدخل.

*.*.*
All Radio in One