رغم تصنيف تونس كأعلى دولة في إفريقيا من حيث الضغط الجبائي، أشار أنيس بن سعيد إلى أن هذا الحكم قد يكون مبالغًا فيه، مؤكدًا أنه لا يمكن مقارنة تونس بدول أخرى دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظام الاقتصادي ومستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.

---

---

وفي السياق ذاته، أوضح أمين بوزيان أن الضغط الجبائي في تونس ليس موزعًا بشكل عادل، إذ يقع العبء الأكبر على الأجراء والطبقة المتوسطة، بينما تستفيد الشركات الكبرى من امتيازات جبائية ضخمة تجعل النسبة الفعلية التي تدفعها أقل بكثير من النسبة المعلنة رسميًا.

الامتيازات الجبائية: هل تحقق أهدافها؟

نقطة أخرى أثارت الجدل خلال النقاش تتعلق بالامتيازات الجبائية التي تمنحها الدولة للشركات الكبرى والمستثمرين. وقد تساءلت أمل بالحاج علي عن مدى فعالية هذه الامتيازات، مشيرة إلى أن العديد من الشركات تحصل على إعفاءات ضريبية لكنها لا تساهم فعليًا في خلق الثروة أو توفير فرص العمل.

من جانبه، استشهد أمين بوزيان بتقرير للبنك العالمي أكد أن 80% من الاستثمارات التي استفادت من الامتيازات الجبائية في تونس خلال السنوات الأخيرة كانت ستتم حتى بدون هذه الامتيازات، ما يعني أن الدولة "تضيع أموالها" دون تحقيق عوائد حقيقية.

القطاع الموازي والتهرب الضريبي

من بين الأسباب التي تجعل الضغط الجبائي مرتفعًا على فئات معينة هو الحجم الكبير للقطاع الموازي والتهرب الضريبي. ووفق تصريحات نزار يعيش، وزير المالية السابق، فإن الاقتصاد غير المهيكل يمثل حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني أن جزءًا كبيرًا من الأنشطة الاقتصادية لا يخضع للضرائب، وهو ما يفاقم العبء على الشركات والأفراد الذين يلتزمون بالقوانين الجبائية.

ضغط جبائي مرتفع، لكن مقابل خدمات ضعيفة

في المقارنات الدولية، أشار المشاركون إلى أن دولًا مثل الدنمارك لديها ضغط جبائي مرتفع جدًا، لكنه يقابله مستوى عالٍ من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. أما في تونس، فالوضع مختلف، حيث يعاني المواطنون من تدهور الخدمات رغم الضرائب المرتفعة.

وأكدت أمل بالحاج علي أن الدولة مطالبة بإصلاح شامل لمنظومة الجباية، بحيث يكون الضغط الجبائي أكثر عدالة، مع تحسين الخدمات العامة التي يحصل عليها المواطن مقابل الضرائب التي يدفعها.

الحلول: نحو عدالة جبائية حقيقية

اقترح أمين بوزيان أن الحل لا يكمن فقط في تقليص الضرائب، بل في إعادة هيكلة النظام الجبائي ليصبح أكثر عدالة. وشدد على ضرورة مراجعة الامتيازات الجبائية، وتحسين إجراءات مكافحة التهرب الضريبي، وتعزيز الحوكمة المالية لضمان استغلال أفضل للموارد.

خاتمة

رغم أن تونس قد تكون من بين الدول ذات الضغط الجبائي المرتفع في إفريقيا، إلا أن الإشكال الحقيقي يكمن في غياب العدالة الجبائية وسوء توجيه الموارد. وبينما تستمر المناظرات حول الحلول المثلى، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين تحصيل الضرائب وضمان خدمات ذات جودة تلبي تطلعات المواطنين.