فوائد سورة الطارق
سورة الطارق هي واحدة من سور القرآن الكريم، وهي سورة مكية و لها من عدد الآيات سبعة عشر أية ، ترتيبها في المصحف الشريف رقم ست و ثمانين، و تتحدث الأيات في هذه السورة عن يوم القيامة.
سورة الطارق من السور القرآنية التي تتضمن فوائد ودروس كثيرة مثل باقي السور القرآنية ، وهذه الدروس كما يلي :
انه على الإنسان المسلم، النظر فيما خلق الله مثل السماء والتي جعلها الله قسم في بداية السورة والهدف من ذلك القسم ليس مجرد الذكر المجرد ، أو الاستشهاد ، لأن الله سبحانه وتعالى كما يقول العلماء إذا أقسم على شئ ، كان واجب على كل إنسان مسلم أن يفهم الغرض من هذا القسم ، ويدركه وينظر فيه ويعرف قيمته ، ويستخرج ما يفيده منه في الحياة التي يحياها في الدنيا قبل لقاء الآخرة.
وهنا مثلا في قسم السماء يمكن لكل إنسان مؤمن أن ينظر للسماء فيفهم قدرة خالقها هو الذي رفعها بدون أي أعمدة مرئية تساهم في بقائها مرتفعة كل تلك السنوات الطويلة ، وينظر إلى جمال ألوانها وتناسقها فيعرف أن له رب يحب الجمال، فما بال تلك الغازات التي ترتفع عن الأرض لتشكل السحب لو جعل لها لون أحمر ، لما كان لجمال لونها أثر في النفوس ولما اهتم بها الفنانون والرسامون وصوروها لوخات ، وما كانت جزء من كلمات فنية راقية ، فسبحان من خلقها بتلك الروعة ، إذا ذكر السماء هنا يبعث في القلب التفكير في عظمة خالقها وخب الجمال.
من الأمور المستفادة أيضا في سورة الطارق كلمة الطارق ، والتي يقصد بها النجم كما وضحت الآية الثانية التي تليها وهو المعني بها هنا النجم المضئ، وما يستفيد منه المسلمون في رحلاتهم وطرقهم في الليل.
ومن الفوائد التي ذكرها الإمام القرطبي أيضاً في قول الله يَوْمَ تُبْلَى ?لسَّرَا?ئِرُأي “” يوم تخرج ما تخبأه وتظهر ما أخفته وهو كل ما كان استسره الإنسان من خير أو شر وأضمره من إيمان أو كفر”” ثم أضاف الإمام القرطبي مستشهد بحديث أبن عمر : قال ابن عمر رضي الله عنهما: يبدي الله يوم القيامة كل سر خفي فيكون زيناً في الوجوه وشيناً في الوجوه، فيجب هنا على المؤمن بالله أن يحسن من سريرته من أجل ذلك اليوم الذي تتجلى فيه حقايق النفوس على الوجوه. [1]
يقول الإمام السعدي في ?إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا? يقول الإمام في ذلك “”فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم””، مما يشير بوضوح إلى درس من دروس الإيمان العظمى وهي خشية الله الذي لا مثيل له في قوته وعلمه.
ومن الفوائد في هذه السورة هو الأمر من الله سبحانه وتعالى للإنسان أن ينظر مما خلق، أي مما الله ، ويبعث هذا الأمر في النفوس على التواضع واحتقار النفس ، فليس الإنسان مصنوع من ذهب أو فضة بل مصنوع من أقل شئ في الدنيا و هو ماء الرجل، خلق منه بشئ بسيط وهين، فما حاجة الإنسان للكبر و التكبر والجفاء والعجرفة على مخلوقات الله.
لذلك يجب في كل وقت وحين أن يعاود الإنسان النظر إلى نفسه، وحقيقته ليعرف حقيقة وماهية خلقه ، فيتواضع لله، كما أمره سبحانه وتعالى في مواضع أخرى من القرآن مثل وَلَا تَم?شِ فِي ?ل?أَر?ضِ مَرَحًا? إِنَّكَ لَن تَخ?رِقَ ?ل?أَر?ضَ وَلَن تَب?لُغَ ?ل?جِبَالَ طُولا (37) كُلُّ ذَ ??لِكَ كَانَ سَيِّئُهُ? عِندَ رَبِّكَ مَك?رُوها ” وفي موضوع أخر من كلام الله سبحانه وتعالى قال عن الكبر ، وَلَا تُصَعِّر? خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَم?شِ فِي ?ل?أَر?ضِ مَرَحًا? إِنَّ ?للَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخ?تَالا فَخُورا?.
والفائدة الهامة في نهاية هذه السورة تتضح في مضمون المهل الذي يمنحه الله للكافر فهو ليس مكافأة على أفعاله ومقره في الدنيا بل هو وعيد له ، أي أمهله هذا الكافر حتى يلقى جزاءه في الآخرة، والإمهال في الدنيا في ذاته أشد عقاب.
فضل سورة الطارق
رد العلماء في أمر فضل بعض السور بعضها على بعض برد قاطع حاسم ، مفاده أن للقرآن الكريم كله أفضال لا تعد ولا تحصى وقد استدلوا بذلك بالأيات اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ?.
و أنه فضله يشمل كل شئ من مغفرة وبركة ورضوان وفضل ذكر الله، وغيره من أفضال الله سبحانه وتعالى على عباده، و منه حديث أيضا للنبي صلى الله عليه وسلم يوضح فضل قراءة القرآن وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ” [6].
وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران” ، وبذلك يكون القرآن كله فضل ، ولكن البعض من عامة الناس يظن أن هناك فضل خاص لبعض السور في القرآن.
والحقيقة بناء على ما أقره علماء الشريعة الإسلامية فإنه لا فضل لسورة معينة في شئ إلا وذكره النبي في أحاديثه ، وأن غير ذلك بدعة مردودة على أصحابها، ولا يجب التعامل معها ونشرها ، وخطر البدعة شديد ، ومعروف بأحاديث صحيحة وأن السور القليلة التي ورد فيها فضل خاص يعتد فقط بالأحاديث الثابتة الصحيحة أو على اقل تقدير بالأحاديث التي ثبت أنها أحاديث حسنة، مثل الفضل الذي ذكر في حديث النبي لسورة البقرة وآل عمران، وبناء على هذا القول للعلماء فإنه لا فضل لسورة الطارق بشكل مخصص أو معين للرزق ولا لغيره.
أسباب نزول سورة الطارق
يتحصل للقارئ للقرآن الفضل والنعم والثواب والبركة بقرائته ، فالقرآن كله فوائد لكن لأن القرآن الكريم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، ليس الغرض منه فقط القراءة ولا حتى الحفظ والاستماع بل يتعدى النفع منه أكثر من ذلك ليصبح القرآن الكريم في حياة الناس منهج وعمل ، يتدبروا ويستخلص ما يفيد حياتهم منه ، ويوصلهم إلى نعيم الآخرة ، وتلك الفوائد لا تتحصل للإنسان إلا عن طريق فهم معاني الكلمات، وقراءة التفاسير التي يعتد بها العلماء ، وتعلم الفوايد والتدبر وكل ما فات يزيد عليه أيضا معرفة أسباب النزول فهي في كثير من الأحيان تفتح باب الفهم أكثر لصاحبها، ومن أسباب نزول سورة الطارق أن السورة نزلت في عم النبي أبي طالب ، حيث جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فأتحفه بخبز ولبن كما جاء في نص الحديث ، ووقت ما كان جالس يأكل إذ رأوا نجم قد انحط و خرج ماء ثم بعده نار ، فكان ذلك سبب في فزعة أبو طالب فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن ما حدث فأخبره النبي أن هذا نجم سقط ، وأنه آية من الله ، فلما تعجب أبو طالب من الأمر كله نزلت سورة الطارق.