سورة الليل واحدةٌ من سور الربع السادس من الحزب الستين من الجزء الثلاثين وترتيبها الثانية والتسعون بحسب المصحف العثمانيّ،
أسباب نزول سورة الليل
أجمعَ علماء أهل السُّنة والجماعة على أنّ سورة الليل نزلت في أبي بكرٍ الصِّديق -رضي الله عنه- وإنفاقه على المسلمين وإعتاقه للرقاب من ماله الخاصّ نُصرةً للإسلام والمسلمين بعدة رواياتٍ، ومنها: أنّ أبا بكرٍ -رضي الله عنه- اشترى بلال بن رباحٍ -رضي الله عنه- وكان عبدًا مملوكًا لأمية بن خلفٍ بعشرة أواقٍ من الذهب وبُردةٍ؛ فنزلت الآيات من بداية السورة حتى قوله تعالى:”إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى” وفي لفظ السعي إشارةً إلى سعي أبي بكرٍ وأمية بن خلفٍ وشتان بينهما.
إن سعيكم لشتى
وفي روايةٍ أخرى تدور بنفس فلك سابقتها أن أبا بكرٍ كان يبتاع الإماء والعبيد من أسيادهم كفار قريشٍ لنصرة للإسلام وتخليصًا لهؤلاء من العذاب والتنكيل؛ فعاتبه والده في ذلك بقوله: “يا بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك”؛ فأجابه: لا أريد من يمنع ظهري أي أنّ الهدف من ابتياعهم نصرة الإسلام والمسلمين؛ فأنزل الله قوله تعالى:”وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى* وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى* إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى* وَلَسَوْفَ يَرْضَى”.
ذكر علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه- في الحديث الذي يوضح سبب نزول آياتٍ من سورة الليل:”كنَّا جلوسًا عندَ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وبيدِهِ عودٌ فنكتَ في الأرضِ ثمَّ رفعَ رأسَهُ فقالَ ما منكم من أحدٍ إلَّا وقد كُتِبَ مقعدُهُ منَ الجنَّةِ ومقعدُهُ منَ النَّار قيلَ يا رسولَ اللَّهِ أفلا نتَّكِلُ قالَ لا اعملوا ولا تتَّكِلوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلقَ له ثم قرأ :”فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى”.
أسباب نزول سورة الليل
هل سورة الليل مكية أم مدنية؟
هي من سور المفصَّل المكية، وتدور آياتها حول سعي الإنسان وعمله في الحياة الدنيا وما يترتب على هذا العمل في الدار الآخرة من النعيم أو الجحيم، ويبلغ عدد آياتها إحدى وعشرين آية مبتدئةً إياها بالقسم كأكثر سور جزء عمَّ كما أنها من السُّور التي لا تشتمل على لفظ الجلالة.
سبب تسمية سورة الليل
ابتدأت السورة آياتها بقوله تعالى: “وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى?” ومن هنا جاء اسم السورة حيث أقسم الله تعالى بالليل كأحد الظواهر الطبيعية في الحياة الدنيا؛ فالليل موطن السكون والراحة والنوم لجميع المخلوقات ومن بينها الإنسان للدلالة على أهمية الليل له بعد السعي في النهار وما يكابده فيه من تعبٍ وعملٍ للدنيا والآخرة.
فضل سورة الليل
سورة الليل كباقي سور القرآن الكريم ينال المسلم الأجر بقراءتها في أي وقتٍ وأي مكانٍ فالحرف بعشر حسناتٍ، وهذا الفضل ينطبق على سُور القرآن الكريم وآياته كافة، أما فيما يتعلق بفضلٍ مخصوصٍ بسورة الليل دون سواها من السُّور فلا أصل له وهو من الابتداع في الدِّين ومنها قراءة سورة الليل وسورة الشمس سبع مراتٍ في سبع ليالٍ متتالية ثم بعد القراءة اليومية الدعاء بما يأتي: “اللهم اجعلْ لي فرجًا ومخرجًا”.
فضل سورة الليل
رغم ذلك توجد بغض الأحاديث التي تدل على استحباب قراءة سورة الليل في الصلوات، حيث وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلى قراءتها في الصلاة حين يؤم الناس تخفيفًا عليهم خاصةً في الظهر والعصر والعشاء؛ “صلَّى معاذُ بنُ جبلٍ الأنصاريُّ بأصحابِهِ صلاةَ العشاءِ فطوَّلَ عليْهم فانصرفَ رجلٌ منَّا فصلَّى فأخبرَ معاذُ عنْهُ فقالَ إنَّهُ منافقٌ فلمَّا بلغَ ذلِكَ الرَّجلَ دخلَ على رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- فأخبرَهُ ما قالَ لَهُ معاذٌ فقالَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-: أتريدُ أن تَكونَ فتَّانًا يا معاذٌ إذا صلَّيتَ بالنَّاسِ فاقرأ بالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ”.
من فضل سورة الليل أنها توضح للمؤمنين الفرق بين الاختيار والتكليف، وكيف أن الله تعالى يُبين لكل مخلوق طريقه الذي يبتغيه، ويهديه النجدين أي الطريقين، إذ يُخيّر الإنسان بين طريق الخير وطريق الشر، فيختار سعيه بكامل إرادته ودون إجبار، ويسير إما للهدى وإما للضلال.
تُحفز السورة على الإيمان بالقضاء والقدر، وأن الحكم كله لله، وأن اختياراته جميعًا لا تخرج عن قضاء الله، وتعطي سورة الليل للإنسان إنذارًا بجزاء الآخرة، إذ إنّ للمكذبين العذاب، وللمؤمنين النجاة والبشارة.