سورة التين من السُّور القرآنية التي تُفتتح بالقسم للدلالة على عظمة المقسم به، وكان نزول سورة التين بعد سورة البروج، وتأتي في المرتبة الخامسة والتسعين بالمصحف العثماني
أسباب نزول سورة التين
لم يثبت شيءٌ في السنة النبوية عن سبب نزول سورة التين كسورةٍ بينما الثابت هو سبب نزول قوله تعالى: “ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ” فقد نزلت في مجموعةٍ من الناس في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- تقدّم بهم العمر حتى بلغوا أرذله فلم يعد بمقدورهم السيطرة على قواهم العقلية والجسدية؛ فسأل الصحابة عنهم الرسول؛ فنزلت هذه الآية فيمن رُدَّ إلى أرذل العمر حيث ينقص العقل والدِّين أنّ مصيرَه إلى جهنم واستثنى منهم الذين آمنوا أيْ كانوا على الإيمان والأعمال الصالحة قبل ذهاب عقولهم فإنهم ينالون الأجر والمثوبة على تلك الأعمال، أما التقصير اللاحق في حالةِ الخرف والهرم فلا يضرّهم شيئًا، وقال في ذلك عكرمة:” لم يضرّ هذا الشيخ كِبره إذ ختمَ الله له بأحسنِ ما كان يعمل”.
هل سورة التين مكية أم مدنية؟
سورة التين من السور المكية المفصَّلية القصيرة إذ يبلغُ عدد آياتها ثمانِ آياتٍ تقعُ في الربع السابع من الحزب الستّين في الجزء الثلاثين، وتدور آيات السورة حول موضوعيْن بارزيْن هما: تكريم الله للإنسان، والإيمان بالحساب والجزاء بعد البعث من القبور يوم القيامة، كما أشارت الآيات إلى نوعيْن من النبات هما: التين والزيتون، وإلى مكانيْنِ هما: طور سيناء ومكة.
سبب تسمية سورة التين
والتين-والزيتون
بدأتِ السورة الكريمة آياتِها بالقسم بنوعٍ من الفاكهة ألا وهي التين، والتين من أنواع الفاكهة التي لا تنمو في شبه الجزيرة العربيّة وأرض الحجاز وإنّما في بلاد الشام وفي هذا إشارةٌ إلى أرض فلسطين ممّا حدا ببعض المفسّرين إلى اعتبار أنّ مكان نموّ الفاكهة هو المقصود من ذِكرها.
الأرجح أنّ المقصود هو فاكهة التين عينها؛ لذا حملت السورة اسم التين ولم يرد في القرآن في غير هذا الموضع، والتين من فاكهة الجنة كما جاء في الحديث: “أُهدِيَ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- طَبقٌ من تينٍ فقالَ: كلوا وأكلَ منهُ وقال: لو قلتُ إنَّ فاكِهةً نزلَتْ من الجنَّةِ قلتُ هذهِ لِأنَّ فاكهَةَ الجنَّةِ بلا عَجَمٍ فكُلوا منها فإنها تقطَعُ البواسيرَ وتنفَعُ من النَّقرَسِ”، والتين لم يرد كثيرًا في السُّنة النبوية أو في أقوال الصحابة كونه فاكهةٌ لا تنمو في أرض الحجاز.
فضل سورة التين
سورة التين كغيرها من سور القرآن الكريم ينال المسلم الأجر بقراءتها فكلُّ حرفٍ منها أو مِن غيرها بعشر حسناتٍ؛ فقراءة القرآن كله أجرٌ وخيرٌ ومنفعةٌ وثوابٌ للمسلم في الدنيا والآخرة، لذا حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المداومة على قراءة القرآن وحذّر من هجره.
وردت بعض الأحاديث التي تدل على مكانة وفضل سورة التين مثل حديث: “قال البَراءَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ: والتِّينِ والزَّيْتُونِ في العِشاءِ، وما سَمِعْتُ أحَدًا أحْسَنَ صَوْتًا منه أوْ قِراءَةً”.
“خرجنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، في سفرٍ فصَّلى بنا العشاءَ الآخرةَ ، فقرأ في إحدى الركعتينِ ب {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}”.
“سمعتُ رجلاً بدويًّا أعرابيًّا يقولُ: سمعتُ أبا هريرةَ يرويهِ يقولُ: مَن قرأَ سورةَ والتِّينِ والزَّيتونِ فقرأَ “أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ” فليقُلْ: بلَى! وأنا على ذلِكَ منَ الشَّاهدينَ”.
أليس الله بأحكم الحاكمين
ما ورد في تخصيص سورة التين فضلٍ معينٍ دون غيرها من السُّور كقراءتها سبع مراتٍ قبل النوم لتفريج الهم وإزالة الكرب والغم فلا أصل له ولا لغيره، وما ورد بهذا الخصوص من أحاديث إنما هو ضعيفٌ أو موضوعٌ أو منكرٌ لا أصل له، ومنها:
لَمَّا نزَلَتْ سُورةُ التِّينِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرِحَ لها فرَحًا شديدًا، حتَّى بانَ لنا شِدَّةُ فرَحِه، فسأَلْنا ابنَ عبَّاسٍ بعد ذلك عن تَفسيرِها، فقال: أمَّا قولُ اللهِ تعالى: {وَالتِّينِ} [التين: 1] فبلادُ الشَّامِ، {وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1] فبلادُ فِلَسْطين، {وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 2] فطورُ سَيْناءَ الَّذي كلَّمَ اللهُ عليه موسى، {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 3] مكَّةُ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5] عِبادةُ اللَّاتِ والعُزَّى، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [التين: 6] أبو بَكرٍ وعُمَرُ، {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6] عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين: 7] عليُّ بنُ أبي طالبٍ، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] أنْ بعَثَكَ فيهم نبيًّا وجمَعَكَ على التَّقوى يا محمَّدُ. [4]
عن ابنِ عبَّاسٍ قال : من قرأ القرآنَ لم يُردَّ إلى أرذلِ العُمرِ لكيلا يعلم من بعدِ علمٍ شيئًا ، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } قال : الَّذين قرؤُوا القرآنَ.
ى