لم يردْ في كتبِ الحديث الصحيحة سببٌ لنزول سورة العصر حيث إنّ الواحدي وهو من أوائل من كتب المؤلفات وبحث في أسباب نزول السور لم يذكر سببًا لنزول هذه السورة.
يُمكن اعتبار مقاصد سورة العصر سببًا للنزول، حيث جاءت السورة تأكيدًا على خسران الإنسان مع وجود أداة الاستثناء في الآية الثالثة التي استثْنَتْ من الخسران بعض الناس الذينْ يتصفون بالصِّفات التالية:
الإيمان: والإيمان أن يؤمن الإنسان بقلبه ويصدِّق هذا الإيمان بلسانه وعمله.
الأعمال الصالحة: والصالحات هي الأعمال التي من شأنها أن تُكسب الإنسانَ رضى الله -سبحانه وتعالى- والعمل الصالح هو جزء من الإيمان، فالإيمان لا يتحقق إلَّا بالعمل لذلك عطف الله تعالى العمل الصالح على الإيمان في الآية الكريمة.
التواصي بالحقِّ: والتواصي أن يوصي الإنسان أخاه الإنسان بالخير والإحسان والمعروف، فالتواصي هو أن يأمر أو يوصي الإنسان أخاه بالمعروف وينهاه عن المنكر.
التواصي بالصَّبر: إنَّ عطف التواصي بالصبر على التواصي بالحق كان بحكمة عظيمة، فقول الحق يحتاج إلى الصبر، لأن الآمر بالمعروف سيلحقه من الناس ما يلحقه من الأذى والتجريح، فعلى الإنسان أن يكون صبورًا في دعوته إلى الله الواحد.
تجدر الإشارة إلى أن سورة العصر هي السورة التي حاول مسيلمة الكذاب أن يؤلف على منوالها ما يعارضُ به القرآن الكريم؛ فقد دخل عمرو بن العاص قبل إسلامه على مسيلمة الكذاب، فسأله ماذا أُنزل على الرسول -صلّى الله عليه وسلم-؟ فقال عمرو: أُنزلَ عليه سورةٌ بليغةٌ وجيزةٌ “، فقرأ سورة العصر، فقال مسيلمة: لقد أُنزل عليّ مثلها ثم قال: “يا وبر يا وبر، إنّما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفز نقز”، لكنْ هذا الكلام لم ينلْ استحسان عمروٍ وأقر بكذب مسيلمة وهو لم يدخل في الإسلام بعد.
هل سورة العصر مكية أم مدنية؟
سورة العصر من سور المفصَّل ومن قصار السُّور المكية والتي تبدأ بالقسم لتعظيم المُقسم به ولله أن يُقسم بما يشاء من مخلوقاته أما العبد فلا يُقسم إلا بالله وحده، وترتيبها الثالثة بعد المائة في المصحف العثماني ونزلت بعد سورة الشرح.
سبب تسمية سورة العصر
سُمّيت سورة العصر بهذا الاسم لورودِ لفظ العصر في الآية الأولى من السورة وهو المُقسم به قال تعالى: “والعصر”. والمقصود بالعصر هو الزمان الذي هو محلّ عمل العبد من أعمال الخير والشر والتي يترتب عليها مصيره إمّا الفوز والنجاة وإما الخسران والهلاك، وذلك في إشارةٍ إلى أنّ الزمن رأس مال الإنسان يتناقص يومًا بعد يومٍ.
فضل سورة العصر
ينالُ المسلم الأجرَ والفضل العظيم عندَ تلاوة القرآن الكريم في أيّ زمان ومكانٍ فهي من أعظم ما يتقرّبُ به العبد إلى ربه تلاوة آياته المُنزلة على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالفضل يشمل كلّ سُور القرآن الكريم وآياته إلا أنّ هناك بعضَ السُّور والآيات خُصّت بفضلٍ ما دون غيرها كالمعوذتيْن وسورة الإخلاص وسورة الكهف وسورة الإسراء وسورتي البقرة وآل عمران.
بالنسبة إلى سورة العصر، فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيُّها النَّاس إنَّه بلغني أنَّكم تخافون عليَّ الموتَ كأنَّه استنكارٌ منكم للموتِ وما تُنكِرون من موتِ نبيِّكم ؟ ألم أُنْعَ إليكم وتُنعَى إليكم أنفسُكم ؟ هل خُلِّد نبيٌّ قبلي فيمن بُعِث فأخلدَ فيكم ؟ ألا إنِّي لاحقٌ بربِّى وإنَّكم لاحقون به وإنِّي أُوصيكم بالمهاجرين الأوَّلين خيرًا وأوصي المهاجرين فيما بينهم فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال : وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.
هناك بعض الأحاديث الموضوعة التي تدل على فضل سورة العصر مثل حديث: ” من يقرأ سورة العصر تُختَم عاقبته بالصبر، ويُحشر في القيامة مع أصحاب الحقّ”
ورد عن الصحابة قرءاة السورة في حال الافتراق:”كان الرَّجُلانِ من أصحابِ النبيِّ إذا التَقَيا لمْ يَفْتَرِقَا حتى يقرأَ أحدُهُما على الآخَرِ: (و العَصْرِ إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْرٍ)، ثُمَّ يُسَلِّمَ أحدُهُما على الآخَرِ”.
ما ورد في فضل سورة العصر جاء على لسان الأئمة والعلماء من أهل العلم والدِّين كالشافعي حيث قال:”لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم” أي سورة العصر، وقال أيضًا عنها: “لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم”، كما قال عنها الإمام الصادق: من قرأ (والعصر) في نوافله بعثه الله يوم القيامة مشرقاً وجهه، ضاحكاً سنّه، قريرة عينه، حتى يدخل الجنة”.
ى