بعد انصهار الأحزاب..من سيربح المليون؟

بقلم عبد الرزاق قيراط
''لتونس 99 حزبا من أحصاها دخل النار''، هكذا كانت صورة الوضع بعد ثورة 14 جانفي، فكتبنا تحت ذلك العنوان مقالة نقديّة ساخرة تنبيها إلى خطورة التكاثر و التناسخ للأحزاب السياسيّة بعد أن تعوّد التونسيّون على الحزب الأوحد الذي يحكم و تدور في فلكه بعض أحزاب المعارضة الصوريّة. لكنّ الانتقال من العقم السياسيّ قهرا و كبتا إلى الخصوبة المتحرّرة الثائرة، حوّل تونس الخضراء من عاقر إلى ولود، فغمرتنا بذريّة حزبيّة لها أسماء حسنى تبشّر بالإصلاح و الغد الأفضل. و عندما عكف التونسيّون قبل الانتخابات على إحصائها و الإحاطة بها، اصطدموا بتشابه الأسماء و الشعارات وباتوا في حيرة من أمرهم، لأنّ اختيار الأصلح يحتاج إلى جهد عسير كأنّه من عذاب السعير...
''لتونس 99 حزبا من أحصاها دخل النار''، هكذا كانت صورة الوضع بعد ثورة 14 جانفي، فكتبنا تحت ذلك العنوان مقالة نقديّة ساخرة تنبيها إلى خطورة التكاثر و التناسخ للأحزاب السياسيّة بعد أن تعوّد التونسيّون على الحزب الأوحد الذي يحكم و تدور في فلكه بعض أحزاب المعارضة الصوريّة. لكنّ الانتقال من العقم السياسيّ قهرا و كبتا إلى الخصوبة المتحرّرة الثائرة، حوّل تونس الخضراء من عاقر إلى ولود، فغمرتنا بذريّة حزبيّة لها أسماء حسنى تبشّر بالإصلاح و الغد الأفضل. و عندما عكف التونسيّون قبل الانتخابات على إحصائها و الإحاطة بها، اصطدموا بتشابه الأسماء و الشعارات وباتوا في حيرة من أمرهم، لأنّ اختيار الأصلح يحتاج إلى جهد عسير كأنّه من عذاب السعير...
و بسبب ذلك، ضاعت في الانتخابات السابقة عشرات الآلاف من الأصوات، و أثبت الإحصاء و التدقيق في نتائجها أنّ مليون صوت تبدّد فكان هباء منثورا، و لم يستفد منه أيّ حزب من الأحزاب التي تنافست على مقاعد المجلس التأسيسيّ. ولأنّ ذلك المليون الضائع يعادل ما ذهب لحركة النهضة من الأصوات، فإنّه يُسيل لعاب الأحزاب التي لم تفز، و يدفعها إلى البحث عن طريقة عاجلة للاستفادة منها في الانتخابات القادمة. و قد ظهر الإجماع لدى النخبة السياسيّة على ضرورة الانصهار بين مختلف الأحزاب ذات المرجعيّة الواحدة أو المرجعيّات المتقاربة، و هو ما يحدث هذه الأيّام بوتيرة متسارعة. فانصهرت سبعة أحزاب من العائلة الدستوريّة تحت اسم الحزب الوطني التونسي. و وقّعت من جهة أخرى أحزاب تونس الكرامة و التحالف الوطني للسلم والنماء و الأمانة وثيقة تُوحّدها في حزب سياسي جديد سمّي حزب الأمان ، و هو ينادي بالوسطية كمفهوم ومنهج سياسي وحضاري وإيديولوجي.
و بنفس هذا التوجّه الذي يسعى لتكوين قوّة وسطيّة تخدم مصلحة تونس كما قال سعيد العابدي الوزير السابق في حكومة قايد السبسي، إنصهر الحزب الديمقراطي التقدميّ مع الحزب الجمهوري وآفاق تونس في كيان جديد سمّي الحزب الجمهوريّ، و ظهرت معه تشكيلة جديدة أخذت مكان القيادات القديمة في الحزب الديمقراطيّ التقدميّ الذي انتفى وجوده بحكم الانصهار أو المصاهرة الأخيرة. فكأنّ السيّد نجيب الشابي اختار تغيير اللاّعبين عوض تغيير الخطط فدعا تلك الأسماء لتعزيز حظوظ فريقه في المواعيد الانتخابيّة القادمة، فليس هناك فرق على ما يبدو بين عالم السياسة و عالم الرياضة، فكلاهما يحتاج إلى الاحتراف و انتداب الأسماء اللامعة لتجاوز الأزمات و الهزائم.
إنّ ما تعيشه الأحزاب التونسيّة اليوم ، منصهرة كانت أو مشرذمة، يدلّ دلالة قطعيّة على واقع متأزّم يكشف حجم الخلل الذي يجمع أفرادها. وعبارة الأفراد هذه توضّح ما تعيشه تلك الأحزاب من غياب لخطط تجمع المنتمين إليها ليعملوا متّحدين وفق برامج وأهداف مضبوطة. و لذلك يظلّون أفرادا سرعان ما تظهر أطماعهم في الوصول إلى بعض المراتب، و سرعان ما يغضبون إذا انهزموا في أوّل اختبار انتخابيّ داخل الحزب، فينسحبون منه على عجل و لا يتردّدون في الكشف عن أسرار الكواليس و خباياها بما يسيء لهم و لأحزابهم. وفي هذا السياق، أعلن عدد من أعضاء المجلس التأسيسيّ من الحزب الديمقراطي التقدمي انسلاخهم عن الحزب احتجاجا على ما حدث في

و من خلال كلّ ما تقدّم، يبقى المشهد الحزبيّ منذرا بأزمة طويلة بسبب صراعاتها الداخليّة، ما قد يحرمها من ثقة الناخبين و هي المعزولة أصلا عنهم و عن عموم الناس، نظرا لانشغالها بتنظيم المؤتمرات في النزل الفاخرة لتنصهر في أحزاب جديدة هي أقرب إلى الكيانات الافتراضيّة التي تجمعها شعارات فقدت بريقها بفعل تكرارها على الأسماع.
و في مقابل ذلك، نشاهد الوزراء من حركة النهضة و قد نزلوا بكلّ ثقلهم إلى الميدان في إطار تواصل السلطة مع المواطن كما قال لطفي زيتون في اجتماع شعبيّ و أضاف متحدّثا عن الحكومة إنّها وليدة ثورة شعبيّة و انتخابات حرّة، و تمثّل مختلف الأطياف والحساسيّات السياسيّة الوسطيّة.حيث لا يوجد فيها يسار متطرّف أو يمين متطرّف . و بهذا الكلام، يحاول زيتون إقناع السامعين والملاحظين بحجّة دامغة تثبت المقولة بالعملٍ، فشعار الوسطيّة الذي يرفعه الآخرون قولا، نراه بالفعل إنجازا على الأرض من خلال الائتلاف الحاكم.
و على أيّة حال، يلحظ التونسيّ اليوم أنّ جميع الأحزاب تغازله بمبدأ الوسطيّة، فالترويكا تضمّ الوسطيّين المعتدلين كما قال زيتون، و أحزاب المعارضة المنصهرة، ترفع نفس الشعار و تستعدّ به للمنافسة ، لتكون المعركة القادمة معركة فاصلة بخطّة عجيبة هدفها السيطرة على وسط الميدان. فالكلّ يتبرّأ اليوم من الأجنحة الهجوميّة المتطرّفة يمينيّة كانت أو يساريّة بهدف الفوز بالمليون من الأصوات الضائعة.
و لعلّ الأسبقيّة ستكون مرّة أخرى لصالح من يحوز على رضا الجماهير ويحسن مخاطبتهم بلغة السياسة أو بلغة الرياضة أو بهما معا، كما فعل فريق النهضة الذي اصطحب معه طارق ذياب المحترف الجديد في ملاعب السياسة بعد أن تألّق في ميادين الكرة وتمرّس في تحليل خطط الفوز و النجاح. فقال متفائلا: إنّ معارضي الحكومة يلعبون في الوقت الضائع... و هم يبحثون دوما عن الأخطاء الدفاعيّة للمنافس لتحويلها إلى نقاط إيجابيّة لصالحهم و هو ما يزيد من عزيمة الحكومة للعمل بجهد كبير ، ما سيمكّن الائتلاف الحاكم من الفوز مجدّدا و البقاء إلى 2017.
و بذلك الخطاب الكرويّ، ترجمت حكومة الترويكا نواياها و عزائمها بتكهّنات من خبير رياضيّ يفهم جيّدا قواعد اللعبة السياسّة بروحه الرياضيّة. و لعلّه يعلم أنّ للتحكيم تأثيره في مجريات اللعبة، لذلك نتوقّع من ناحيتنا أنّ المقابلة الانتخابيّة القادمة ستكون أصعب نظرا لما يشهده التحكيم الإعلاميّ من انحياز ظاهر أو خفيّ. فلا تفاؤل و لا نجاح إلاّ بمقاومة كلّ أشكال الفساد الذي انتشر في جميع القطاعات. و بذلك فقط نضمن أن لا تخرج المقابلة عن قواعد التنافس النزيه، لنصفّق في نهايتها للفائز بالمليون من أصوات الجماهير و ثقتهم.
Comments
40 de 40 commentaires pour l'article 48423