هل نحن كسالى بالوراثة أَم تحت تأثير بيئتنا والعقليات المنتشرة في مجتمعنا؟

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/66b4a303acca83.59116527_qigoenhfplmjk.jpg width=100 align=left border=0>


كريم السليتي (*)

اتصلت الممرضة الأمريكية بالمدرسة بولي تونسي سافر للولايات المتحدة في مهمة (وأخذ معه عائلته). قالت له حسب ملاحظاتنا فإن ابنتك التي تبلغ ثمان سنوات تحتاج نظارات طبية خذها وافحصها.

...

وفعلا ذهب لطبيب العيون وتبين أن الفتاة تحتاج إلى نظارات طبية، فسألها والدها لماذا لم تخبريني أنك لديك نقصا في النظر؟
قالت له (وهنا مربط الفرس) : كنت أظن كل الناس يرون العالم مثلما أراه، لكن الآن اختلف الأمر.

يتعرض الكثير من المهاجرين إلى أزمة ثقة بالنفس عندما ينتقلون للعمل أو الدراسة في الخارج عندما يرون مثلا حجم وطول ساعات العمل التي بقوم بها الأجانب ومع ذلك يخصصون وقت للرياضة ووقت للكتابة والنشر ووقت لاعداد ونشر مقاطع فيديو ، فيظن أنه هو (كفرد) كسول وقد يدخل في معركة مع ذاته باللوم والتقريع والاتهام بالكسل والفوضى والتقصير.

بينما الحقيقة مختلفة تمامًا ، حيث انه لما كان في بلده لم يكن له ذلك الاحساس لأن يرى أن كل الناس يتصرفون بنفس الطريقة ونفس النظام الحياتي، هو لم ير تجارب اخرى ليقيم نفسه او يتأثر بها ، هو ظن ان كل العالم يعيش ويتصرف بنفس الطريقة.

أحد الأصدقاء التونسيين كان يبحث عن شرح لمادة في اختصاصه، فتفاجأ بحجم المقاطع والمواد المتوفرة التي مشاركتها في المنتديات ومنصات التواصل الاجتماعي عند الأشقاء المصريين ، واستغرب من الفوارق الثقافية في مسألة مشاركة ونشر العلم والمعرفة ، وهو طبعًا يقارن ذلك ببيئته الجامعية التي تكون فيها وتأثر بالعقليات الموجودة حتى ظن أنها هي الأصل وأن كل العالم يسيير على نفس الشكل.

أما عن تجربتي الشخصية التي احدث عندي اهتزازا أدى إلى مراجعات شاملة لطريقة تفكيري وتعاملي مع الوقت ومع الانتاج بشكل عام، ففي سنة 2013 قررت ان اتعلم البرمجة على الهواتف الذكية كهواية للحفاظ ودعم مستوى التفكير المنطقي الرياضي وتطوير ملكة حل المشكلات ، وكنت أتابع شابًا أمريكيا على اليوتيوب ، فاسترعى انتباهي انه يسجل فيديوهاته (حسب ساعة حاسوبه) على الساعة الثالثة أو الرابعة صباحًا. فأثار ذلك عدة أسئلة جوهرية لدي، لماذا يخصص هذا الشاب كل ذلك الجهد لتعليم الناس مجانًا وهو غير محتاج ماديًا لانه يعمل بشركة كبرى ؟ ولماذا يضحي بوقته وبنومه ؟ وكيف يحافظ على ذلك الانضباط لأشهر طويلة بتنزيل مقطعين طويلين كل أسبوع.
الإجابة بسيطة وهي بالاضافة للتحفيز الذاتي الذي لديه فإنه يعيش في بيئة تساعد على الانتاج ، بل ربما قد يرى نفسه غريبًا اذا لم يقم بذلك الجهد من الانتاج ومن مشاركة المعرفة مع الجميع دون انتظار مقابل والأهم دون اخفاء أي تجربة أو سر من أسرار ما تعلمه ووما يعرفه.
في الحقيقة هذه هي العقليات التي يجب نشرها وترسيخها وصناعة بيئة كاملة محفزة على الإنتاج وعلى النشر والمشاركة.
وتأصيلا لهذه المسألة من الناحية الدينية كمسلمين فقد ورد في الأحاديث النبوية التي تزجر كتم العلم : "من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" وحديث "بلغوا عني ولو آية" وحديث إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره" وفي هذا الحديث الأخير ترغيب وحث على تعليم العلم ونشر وتشجيع على الانتاج العلمي والمعرفي النافع للناس.


كريم السليتي: كاتب وباحث في الاصلاح الاداري



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 292158


babnet
All Radio in One    
*.*.*