رسالة مفتوحة إلى... ’ضحايا’ صخر الماطري
...أخي
أقولها و أنا أستحي...
لقد دما قلبي مرتين و أنا أرى ما حاق بك من ظلم ومن عدوان: دمعت عينيّ ألماً على أخٍ لي, أخٍ لم أعرفه من قبل لكن جمعتنا وحدة الدّين و اللّسان, أخوّة الصف و العَلمْ, أخوّة الحقّ.. ووجدت نفسي أتألّم لأجل أخ حرّ عزيز, ظلم و أهان بسوط القهر و الطغيان...
أقولها و أنا أستحي...
لقد دما قلبي مرتين و أنا أرى ما حاق بك من ظلم ومن عدوان: دمعت عينيّ ألماً على أخٍ لي, أخٍ لم أعرفه من قبل لكن جمعتنا وحدة الدّين و اللّسان, أخوّة الصف و العَلمْ, أخوّة الحقّ.. ووجدت نفسي أتألّم لأجل أخ حرّ عزيز, ظلم و أهان بسوط القهر و الطغيان...
ثم وجدت نفسي أتألم ثانية و أنا أرى أن اليد التي أمسكت بالسّوط تجري فيها نفس دمائي, تألّمت و أنا أكتشف فاجعة أخرى جرم بها إبن العمّ هذا الذي لم يخلف لنا إلا العار بعد أن صال و جال و عاث في الأرض فسادا, و هو الذي لم يكن له من رصيد في الدنيا غير الإنتهازيّة و الجشع, و سمعة عائلته التي لم يبرح البلاد إلا بعد أن أتمّ تمريغها بالتراب...
كلا يا أخي, لا تكن ظالما مثله, لا تقل سحقا لعائلته فإنها بريئة منه و من أدرانه و من قبح نفاقه...
برئنا منه منذ أن بلغنا أنه قد لمس أول مليم حرام...
برئنا منه لا لشيئ غير أنه خان البلاد, وكم آلمنا أن يكون منا خائن يتاجر بنضالات أجداده...
كلا يا أخي... لا تؤخذ وازرة وزر أختها, و لا يدان المرء بجرم أخيه...
مأساتنا لم تبدأ اليوم كما يتصور البعض..
عندما كنت طفلا صغيراً, كانت النّاس تربط بين لقبي و بين ’الزّعيم’ محمود الماطري فتسترجع رفعة أخلاقه و نبل قيمه و سموّ نضاله, فتراني و أنا الطّفل الصّغير مرفوعاً على كفوف الراحة إكراماً لذكرى هذا الرجل الكريم... و لطالما حزنت طوال السنوات الأخيرة -كما حزّ في نفس الكثيرين- وأنا أرى هذا ’الغلام’ حديث النّاس و محور تندّرهم.. آلمني أن أرى بلادي مستباحة لدى زمرة فاسدة أسمت نفسها ’عائلة حاكمة’ فهتكت الأعراض و انتهكت الحقوق... آلمني أن أرى المتحذلقين و المطبّلين ’يتشدّقون’ في ريائهم و تمنّياتهم أن يكون هذا ’الشاب الورع’ رئيساً قادماً فتزيد حيرتي و أعزّي نفسي و أنا أضرب كفّاً بكفّ متسائلاً : هل خلت تونس من الرّجال حتّى لا يبقى لها إلا هذا الولد التّافه كي يقودها؟ فحتّى إن لم نكن جميعاً ندرك درجة الفحش التي كانت تغطّيه هالة النّفاق و قناع التدين الكاذب الذي كان يرتديه, فإنّي كنت أعلم شيئاً عن حقيقة الفتى و عن محدوديّاته...
شخصيّاً, أدنت ابن العمّ هذا قبل أن يسمع باسمه أيٌ منكم, وككلّ أحرار تونس قلت لا للظلم و لا للفساد أينما لاقيتهما, و ككثيرٍ من التونسيين تعرضت إلى عديد المضايقات في الجامعة, ثم في العمل, و ضربت على يد الشرطة و عرفت الإيقاف, و رفضت السّفر إلى الخارج عندما أتيحت لي الفرصة مؤثراً البقاء في البلاد لا لشيء غير إيماني بواجبي في خدمتها من داخلها, مدوّنتي على الأنترنت حُجبت و لم استعدها إلا مساء 13 جانفي, و كنت في الصفوف الأولى و منذ السّاعات الأولى أمام وزارة الداخلية صباح 14 جانفي و لم يحملني شيء غير حبي للبلاد و إيماني بحقها في واقع أكرم و أعدل.
كلّ هذا وأنا لست إلا شاباً في مقتبل العمر, و ما صار معي قد لا يُعدّ شيئاً أمام ما عاشه غيري من عائلةٍ لم و لن أزل أفتخر بانتمائي لها.
لطالما كنا عائلةً كجميع التونسيين, نظلم و نعاني, نسرق و نهان... و يشهد الله أننّا لم نستغل قرابة أو نفوذا لا إنتفاعاً ولا حتى لإسترجاع حق منتهك. إن لم يكن جميعهم, فإنّ أغلب عائلتي شرفاء, ناضلوا و لا زالوا يناضلون في سبيل هذه البلاد, ولن يقدر أن يمحو ذلك ما بدر من واحد, أو من قلّة إنتهازيّةٍ عمياء...
يا أخي... لا يخلو بستان منٌ نبتة فاسدة و صدق ابن خلدون إذ قال أن التعميم هو منطق السذج, و أدرك أنك قادر على أن ترى الحق و تفرق بين الناس, أخيارهم و أشرارهم...
لن أعتذر فأنا لا أرى أن ما فعله هو يلزمني أنا في شيِ... بل أرى أن ما يجمع بيني و بينك هو أوثق ممّا يصلني بابن عمي هذا: كرهُ الظلم والظالمين, الإيمان بالحق و الانتماء لهذا الوطن العزيز...
يا أخي... أستحي منك و أنا أرى ما عانيته على يد قريبي فلا يزيدني هذا إلا نقمة على هؤلاء المجرمين, ولا أرى نفسي إلا حامداً الله الذي أنقذ البلاد من شرورهم قبل أن يوغلوا أكثر في قبحهم...
الحمد لله الذي أظهر الحقّ و نصر تونس, فلا عاش في تونس من خانها و لا عاش من ليس من جندها...
كلنا مارّون و وحدها هي الباقية...
حامد الماطري
Comments
19 de 19 commentaires pour l'article 27699