منظومة طبيب العائلة.. أرهقت الجميع
![](/cache/cacheimages/4b797c5b04df8ba6fc1892b8988008ea_w775.jpg)
أبو مـــــازن
أصل الحكاية ابتدأت قبيل الثورة بسنين عدّة لمّا كان الضغط الاجتماعي يحتد شيئا فشيئا و يزداد التذمر من فحش غلاء المداواة و عدم القدرة على مجابهة الأمراض المزمنة التي تعاني منها طبقات عدة من الشعب الكريم. هنالك تردّت خدمات المستشفيات بعد ان اكتظت وعمّت فيها اللامبالاة فهبّ القطاع الخاص لينال من مال و من دم المواطنين فسعى أصحاب الارادة الصالحة الى احداث صندوق التأمين على المرض اسوة بعدد من الدول المتقدمة رغم أن البون شاسع في المقدّرات والعقليات. كان يومها مشروع واعد رغم تحديد السقف بمائتي دينار للمضمون الاجتماعي و تأخر آجال الموافقة و استرجاع المصاريف.
![](https://www.babnet.net/images/9/cnam720.jpg)
لئن نجحت نسبيا منظومة الصحة العمومية التي لا يملك منتسبوها حولا ولا قوة غير الاتجاه منذ الفجر الى صفوف طويلة ليفوزوا بعيادة "عن بعد" لا يكاد يلمس الطبيب موضع المرض بل يكتفي بكتابة أدوية قلمّا يجدها المريض في صيدلية الصحة العمومية. زاد هؤلاء الصبر ولا شيء غيره اذ قد تتجاوز المواعيد أشهرا عدّة لمجرد كشف بالمنظار أو اجراء عملية قد لا ينتظر صاحبها فيفارق الحياة. اللهم لا حيلة لهم ما دامت اليد قصيرة والجيب خاو لا يرون أي مناص من منظومة تحافظ نوعا ما على نظام صحي شبه مجاني. كذلك نحت شريحة هامة من الموظفين والمستكتبين لدى الدولة والخواص الى منظومة استرجاع المصاريف التي تقتضي خلاص خدمات الصحة في المؤسسات العمومية أو الخاصة واسترجاع نسبة منها بعد فترة من الزمن تطول أو تقصر حتى يتسنى للصندوق دراسة الملف. هذه المنظومة التي يلزم منتسبوها الى الدفع المسبق لاسداء الخدمات لا يرون غير الصبر الجميل لاسترجاع جزء من المصاريف وبذلك يتجنبون الصفوف الطويلة والمواعيد المسبقة والارتهان لموافقة ينقصها امضاء المسؤول.
أمّا منظومة طبيب العائلة التي أرهقت الجميع ففيها يتولى المضمون الاجتماعي اختيار طبيب عائلة من ضمن قائمة الأطباء المتعاقدين مع الصندوق وبمقتضى ذلك يلتزم المضمون الاجتماعي و أفراد عائلته بعيادة ذلك الطبيب قبل عيادة طبيب الاختصاص عدى بعض الإختصاصات (عيون، اطفال، نساء، أسنان). هنا يتكفل الصندوق بمصاريف الخدمات الصحية المسداة في إطار هذه المنظومة حسب صيغة الطرف الدافع. وبذلك يتولى المضمون الاجتماعي دفع مبلغ المعلوم التعديلي الذي يمثل مساهمته في مصاريف العلاج ويتولى الصندوق دفع المبلغ المتبقي مباشرة لمختلف مقدمي الخدمات الصحية.
لعل هذه المنظومة التي يدفع فيها المضمون الاجتماعي قدرا معينا من المصاريف جلبت اهتمام عدد لا بأس به من المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية فزاد تعدادها وهوى سقفها و انخرمت منظومتها فقادت المضمونين الاجتماعيين ومسدي الخدمات الصحية الى مشاكل عويصة لا زالت حاضرة بشدة في كل بهو خصص لاستقبال المواطنين في صندوق التأمين على المرض وفي كل صف وعند كل رقم يطلب صاحبه ليجد العون أمام تشكيّات تليها تشكيّات مما يدفعه لتجديد بطاقة العلاج الحمراء لمدة قصيرة قد لا تتعدى شهر واحد.
بعيد الثورة عانى المواطنون من طول الآجال و ضياع الملفات حتى تراجعت منظومة استرجاع المصاريف و اتجه أغلب المضمونين الاجتماعيين الى منظومة طبيب العائلة فحدث الخلل. هنالك احتج أول الأمر(أواخر 2014) المواطنون الذين وجدوا انفسهم أمام بطاقات ستفقد صلوحيتها بعد أن هبّ الصندوق بتغيير بطاقات العلاج لهذا الصنف من المنخرطين مما خلق أزمة لدى الصيادلة حين طالبوا بتسوية آجال صرف ما تخلد بذمة الصندوق تبعا لمنظومة طبيب العائلة. و أكدّ صندوق التأمين على المرض أنّ الحلّ الوحيد للحدّ من تجاوز السقف السنوي للمنضوين ضمن منظومة "طبيب العائلة" سيكون بإرساء البطاقة الإلكترونية الجديدة التي يسهر على إعدادها فريق كامل من المختصين ولكن طال الانتظار ولا زال يطول!!!
لقد طالب الصندوق امام انخرام الموازين المواطنين باسترداد المتخلد بذمتهم كشرط لاسداء الخدمات الصحية فزاد هذا الاشتراط الطين بلة حتى دخل اتحاد الشغل على الخط حين استنكر التبديل القصري للمنظومة العمومية لكل من تخلد بدين لدى الصندوق. وقال أن منظومة طبيب العائلة هي حق للمواطنين وذلك بعد رفض بعض العاملين بالصندوق منحهم بطاقات العلاج نظرا لتجاوزهم لسقف الديون. أما منظمة الدفاع عن المستهلك فقد عبّرت عن رفضها لقرار الصندوق الوطني للتأمين على المرض إحالة المضمونين الاجتماعيين ممن دفعت إليهم مبالغ بعنوان استرجاع مصاريف فوق سقف 200 د سنويا تبعا لمنظومة طبيب العائلة الى منظومة الصحة العمومية.
هنالك انطلقت مشكلة تجديد بطاقة العلاج التي يعاني منها اليوم أشد المعاناة فهو بين شراء دوائه الباهض الثمن و استعجال صورة بالأشعة أو المفراس أو الانتظار دون دواء أو علاج اصدار بطاقة العلاج التي لا يعرف أحد طريقة احتساب صلوحيتها فتصدر في بعض الاحيان لاسبوعين و بضعة أيام ليستدعى المضمون الاجتماعي لتجديدها وهكذا دواليك. زد على ذلك المحسوبية و الأكتاف التي قد تغنيك عن اقتطاع رقم الانتظار و تقيك من الوقوف في الطوابير لتتحصل في بضع دقائق على بطاقتك. أما الصيدلي الذي جرب الصندوق و خبر ألاعيبه فقد تحرّس هذه المرة وصار يصرف النزر القليل من الدواء تحسبا لمرواغة الصندوق والتزاما بأيام الصلوحية القليلة التي عنونتها بطاقة العلاج "الغريبة". وعن الأطباء فلا تسأل!! فهم أمام بطاقة العلاج "الاسبوعية" لا يقدرون وصف دواء لأشهر فتتعدد بذلك عيادات المريض و تتعدد الوصفات. لعل السؤال الحارق الذي يرغب كافة المتدخلين في اجابة ضافية : هل صندوق التأمين على المرض قادر على مسايرة هذه المنظومة أم أنه راغب في التخلي عنها ولذلك يحيطها بصعوبات جمة لا سيما وأنه أعلن أواخر2015 عن فائض هام يقدّر بعشرات المليارات من المليمات؟
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 129414