شيخنا الطاهر الذي غيّبه الاعلام
أبو مــــازن
الخضراء ولاّدة للعظام منذ أن استقرت بها الحضارات المتتالية من بربر و روم و عرب و اسبان و ترك وفرنجة. لقد برز في كل عصر و آن رجال ونساء أبناء لهذه الربوع الطيبة حين خلدتهم الشهامة والشجاعة والقوة والحكمة و المعرفة فكان من بينهم يوغرطة و حنبعل و عقبة و ابن خلدون و سحنون و خير الدين و الثعالبي وبورقيبة و حشاد الشهيد وشيخنا محمد الطاهر بن عاشور. هذا العلم الذي ذاع صيته في الشرق والغرب فعرفت تونس في عديد المواقع عبر آثاره وكتاباته وتحريره وتنويره ومقاصده الشرعية التي أبدع أيما ابداع في نقل الموروث الديني الاسلامي من عهد الى عهد فتعهده بالتجديد وطور العديد من أبوابه ليناسب العصر الحديث فكان علامة شيخا للإسلام و شيخا للزيتونة المباركة التي أضحت مجرد مسجد يؤمه الناس في الصلوات الخمس والجمعة بعد ان كانت منارة علمية تدرس فيها علوم الدين والعلوم الانسانية والصحيحة واللغات المتعددة.
لا يكاد يعرف سيرته وتاريخه الكثير من أبناء الوطن و لا تكاد تذكر مواقفه وآراءه العلمية وسيرته الوطنية عبر وسائل الاعلام منذ انبلاج الاستقلال و بعث الدولة الحديثة التي غلّقت الزيتونة و أتت على علمائها فقزّمتهم و صرفتهم عن المهمة العظيمة التي تعهدوها. لقد كان جامع الزيتونة مصنعا لرجال أفذاذ قادوا حياة شعوبهم قبل أن يقودوا حياتهم، في وقت تقلبت النفوس بين الحداثة المزعومة و التخلف المنسوب الى الدين. كان شيخنا محمد الطاهر بن عاشور أحد أعلام هذا الجامع، ومن عظماءه المجددين، فقد قضّى حياته المديدة التي زادت على 90 عامًا جهادًا في طلب العلم، وجهادا في كسر وتحطيم أطواق الجمود والتقليد التي قيدت العقل المسلم و صرفته عن التفاعل مع القرآن الكريم و ربطه بالحياة المعاصرة.
الخضراء ولاّدة للعظام منذ أن استقرت بها الحضارات المتتالية من بربر و روم و عرب و اسبان و ترك وفرنجة. لقد برز في كل عصر و آن رجال ونساء أبناء لهذه الربوع الطيبة حين خلدتهم الشهامة والشجاعة والقوة والحكمة و المعرفة فكان من بينهم يوغرطة و حنبعل و عقبة و ابن خلدون و سحنون و خير الدين و الثعالبي وبورقيبة و حشاد الشهيد وشيخنا محمد الطاهر بن عاشور. هذا العلم الذي ذاع صيته في الشرق والغرب فعرفت تونس في عديد المواقع عبر آثاره وكتاباته وتحريره وتنويره ومقاصده الشرعية التي أبدع أيما ابداع في نقل الموروث الديني الاسلامي من عهد الى عهد فتعهده بالتجديد وطور العديد من أبوابه ليناسب العصر الحديث فكان علامة شيخا للإسلام و شيخا للزيتونة المباركة التي أضحت مجرد مسجد يؤمه الناس في الصلوات الخمس والجمعة بعد ان كانت منارة علمية تدرس فيها علوم الدين والعلوم الانسانية والصحيحة واللغات المتعددة.
لا يكاد يعرف سيرته وتاريخه الكثير من أبناء الوطن و لا تكاد تذكر مواقفه وآراءه العلمية وسيرته الوطنية عبر وسائل الاعلام منذ انبلاج الاستقلال و بعث الدولة الحديثة التي غلّقت الزيتونة و أتت على علمائها فقزّمتهم و صرفتهم عن المهمة العظيمة التي تعهدوها. لقد كان جامع الزيتونة مصنعا لرجال أفذاذ قادوا حياة شعوبهم قبل أن يقودوا حياتهم، في وقت تقلبت النفوس بين الحداثة المزعومة و التخلف المنسوب الى الدين. كان شيخنا محمد الطاهر بن عاشور أحد أعلام هذا الجامع، ومن عظماءه المجددين، فقد قضّى حياته المديدة التي زادت على 90 عامًا جهادًا في طلب العلم، وجهادا في كسر وتحطيم أطواق الجمود والتقليد التي قيدت العقل المسلم و صرفته عن التفاعل مع القرآن الكريم و ربطه بالحياة المعاصرة.
لقد أحدثت آراؤه نهضة في علوم الشريعة والتفسير والتربية والتعليم والإصلاح، وكان لها أثرها البالغ في استمرار الزيتونة في العطاء والريادة منارات للهدى وعلامات لطريق السداد. لقد أبدع شيخنا حين سئل عن طوائف المسلمين و تكفيرهم فقال في كتابه أصول النظام الاجتماعي في الإسلام وفيما عدا ما هو معلوم من الدين بالضرورة من الاعتقادات فالمسلم مخيّر في اعتقاد ما شاء منه إلا أنه في مراتب الصواب والخطأ. فللمسلم أن يكون سنيا سلفيا، أو أشعريا أو ماتريديا، وأن يكون معتزليا أو خارجيا أو زيديا أو إماميا. وقواعد العلوم وصحة المناظرة تميّز ما في هذه النحل من مقادير الصواب والخطأ، أو الحق والباطل. ولا نكفر أحدا من أهل القبلة (ص172) . ها هو العالم الجليل يردّ على كل الطوائف التي انتشرت في هذا البلد المنهك بعد الثورة من وهابيين وشيعة و أحباش و جهاديين و غيرهم ممن أرّقوا المجتمع التونسي المتجذر في نمطه الاسلامي المعتدل منذ قرون وقرون، فيمتنع عن التكفير و يدرأ نار الفتن بمنطق العلم والمعرفة فيظل كل متقربا الى ربه وهو الذي يجازي عن الطاعة أو المعصية كيفما شاء. ولعل ما يحزّ في النفوس هو خوض منابر الاعلام في ترهات هذه الطوائف و امتداداتها في تونس دون أن يذكروا برأي الامام الشيخ ودون أن تدلو الزيتونة بدلوها فتبقى الآراء مشتتة ويتيه المواطن البسيط في التقليد وقد ينحو نحو العنف والتكفير أو الازدراء بالدين والمعتقدات ولكن لا مجيب.
الشيخ محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة مع نائبيه الشيخ الشاذلي الجزيري شيخ الاحناف على يمينه والشيخ علي النيفر شيخ المالكية على يساره - سنة 1945
ان المتشدقين بالاسلام التونسي المبني عندهم على قيم التسامح والمحبة والمقولة المنقوصة الايمان في القلب يتهربون من رأي تونسي مثلهم كان شيخا للزيتونة و اشتهر بالاعتدال و رجاحة الرأي و ترك الغلو وهو الذي أتقن العلوم الشرعية ولغة الضاد والشعر وكذلك لغة الفرنجة وانتمى الى سلكي التدريس بالصادقية والجامع الأعظم فلاقح بين فكرين وتيارين ولكن الحداثة الواهية غيبت آراءه و مواقفه فلم يغادر اسمه رفوف المكاتب وبقى علما عند التونسيين دون أن يعرفوا مناقبه.
كان شيخنا الطاهر فقيها مجددا، يرفض ما يردده بعض أدعياء الفقه أنّ باب الاجتهاد قد أغلق، وكان يرى أن ارتهان المسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سيصيبهم بالتكاسل وسيعطل إعمال العقل لإيجاد الحلول لقضاياهم التي تجد في حياتهم. و يعتبر كتاب مقاصد الشريعة من أفضل ما كتب في هذا الفن وضوحا في الفكر ودقة في التعبير وسلامة في المنهج واستقصاء للموضوع. ولم يثنه هذا العمل العلمي عن الخوض في الحراك الوطني والتشهير بالاستعمار الفرنسي والدعوة لمقاومته فكانت له اسهامات مأثورة ولعل أبرزها دفعه الى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل و ترأسه. ذلك قطر من فيض مناقب شيخنا المغيب عن الذهن التونسي الذي عششت فيه نكرات أنصاف ثقافة و أنصاف علم فكبّرها الاعلام الرديء وجعل منها قادة وأسيادا. لعل موقف الشيخ في حادثة الافطار في رمضان الذي دعاه اليها الزعيم بورقيبة كانت زر الاغلاق الذي داسته سبابة الاعلام فدخل اسم شيخنا طور النسيان في ذاكرة شعبه، تلك الحادثة التي أذكر بها لعل أهل العقل والرأي يثوبون الى رشدهم. لقد دعا بورقيبة العمّالَ إلى الافطار في رمضان سنة 1961 بدعوى زيادة الإنتاج، وطلب من الشيخ الطاهر أن يفتي في الإذاعة بما يوافق هذا، لكن الشيخ صرح في الإذاعة بما يريده الله تعالى، بعد أن قرأ آية الصيام، وقال بعدها: صدق الله وكذب بورقيبة. رحم الله شيخنا الجليل و ولده العالم الشيخ الفاضل و كل علماء و رجالات تونس، حفظ الله تونس من التيه في فتن عاد وثمود وسدوم فتنالنا ريح صرصر أو تخسف بنا الأرض فنهلك.
Comments
38 de 38 commentaires pour l'article 103532