فيلم "قلب حجر" للمخرج نضال شطا : طرح سينمائي لقضايا العنف المسلط على المرأة بمختلف أشكاله وتبعاته

(وات/خديجة السويسي)- "وكالة فيتو" بمنطقة الكرم من الضاحية الشمالية للعاصمة، هو مكان "درامي" جمع ثمانية شخصيات، أربع نساء وطفلة وثلاثة رجال، لكل منهم قصة كُتبت تفاصيلها بدقة عالية، وترتبط مختلف هذه القصص بالعنف والألم وتأثيرات ما بعد الصدمة وما يمكن أن تخلفه من إعادة إنتاج للعنف من قبل الضحايا على أنفسهم وعلى المجتمع.
هي شخصيات فيلم " ڤلب حجر"، للمخرج نضال شطا (سيناريو صوفيا حواص)، وقد تم تقديمه أمس الأربعاء 16 أفريل بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي في عرض خاص بالصحفيين بحضور فريق العمل.
هي شخصيات فيلم " ڤلب حجر"، للمخرج نضال شطا (سيناريو صوفيا حواص)، وقد تم تقديمه أمس الأربعاء 16 أفريل بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي في عرض خاص بالصحفيين بحضور فريق العمل.
شارك في بطولة هذا الفيلم كل من، محمد الداهش وريم الحيوني وعبد المنعم شويات وبسمة العشي ولمين بالخوجة وميساء الوسلاتي وفاطمة الفالحي وأميمة البحري وياسمين الحكيري، بمشاركة خاصة من لطفي العبدلي، بالإضافة إلى كاظم نديم وكريم العكريمي وأنيس المناعي وأحمد المحيرسي وهيثم المحمدي وراسم الحاج قاسم وبهاء اللزام ولطفي القصدلي و "كيان شطة". وأدى أغنية جينيريك العمل، التي تحمل عنوان " رياح"، الأخوين سليم ونور عرجون.
وتم تصوير " ڤلب حجر"، المدعم من قبل وزارة الشؤون الثقافية، منذ ثلاث سنوات وتعطل مسار إنتاجه بسبب ضعف الإمكانيات المالية خاصة وأنه عمل من إنتاج تونسي صرف ولم يتلق أي دعم خارجي، وفق ما صرح به نضال شطا خلال النقاش الذي تلا العرض.
هذا الفيلم الروائي الطويل الذي ينبش في عدد من أشكال العنف التي يسلطها المجتمع الذكوري على النساء، مُستلهم من حدث واقعي شهدته تونس سنة 1991، ويروي مجموعة من القصص التي يربط بينها عاملان أساسيان، الأول هو الفضاء الذي يجمع الشخصيات، "الوكالة"، والثاني فعل "العنف".
و "الوكالة" هو الاسم المفرد من المصطلح المتداول "الوكايل" الذي يعبر عن مبان للسكن الجماعي "التضامني" الموجه للفئات ضعيفة الدخل، والتي تفتقر لأغلب مقومات العيش الكريم. وقد كانت منتشرة في تونس بشكل كبير منذ نحو أربعة عقود، لكن تراجع هذا الانتشار مع السنوات حين اتجهت سياسة الدولة نحو هدمها وتعويض متساكنيها واستغلال الأراضي المقامة عليها.
يروي هذا العمل قصة "ملاك" فتاة تبحث عن الحرية والانعتاق من الوصم الاجتماعي من خلال العيش وحدها بعيدا عن أسرتها التي تُحملها مسؤولية تعرضها للاغتصاب، لتجد نفسها عُرضة لنفس الجريمة ويُعتدى عليها مرة أخرى من قبل حارس المكان الذي تُقيم فيه.
تعمل "ملاك" في مجال ترميم الفسيفساء في إحالة على ترميم الذاكرة، في حين تسعى إلى محو ذكرى العنف والألم الذي تعرضت إليه في حياتها ولكن دون جدوى. وهو ما عبرت عنه في بداية الفيلم حين قالت إنها اختارت في عملها "الهروب للأموات" لكن بقي "الماضي مدفونا في الذاكرة".
تعيش بطلة العمل حالة من التمزق الداخلي والصراع والحيرة نتيجة ما عاشته وهو ما تعكسه حركتها الدائمة في الفيلم وعدم استقرارها، وما تبينه أيضا تقنيات تصوير العمل الذي يصور البطلة من زوايا مختلفة فضلا عما تعكسه لقطات تلاطم أمواج البحر من مشاعر متداخلة تراوح بين الغضب والهيجان حينا، والهدوء حينا آخر. فقد كان "البحر" حاضرا بقوة في مختلف مراحل تصوير العمل، بما يرمز إليه من عدة متناقضات منها الغضب والرغبة في الانعتاق والملاذ.
وعلى امتداد الفيلم، تركز الكاميرا، في لقطات قريبة، على ملامح البطلة وتعابير وجهها بدقة وعينيها التي تبوح بالمعاناة رغم صمت الشخصية في مواقف عديدة.
تجسد شخصية "ملاك" الفنانة الشابة ريم الحيوني التي تؤدي لأول مرة دور بطولة، والتي أقر أغلب الحاضرين في هذا العرض الأول للعمل، بأنها نجحت في القيام بهذا الدور بطريقة مكنتها من نقل مختلف مشاعر الألم والصدمة والضغط والخوف وحتى اللامبالاة.
ف"ملاك" التي يرمز اسمها للبراءة والطهر يُحولها العنف إلى شخصية قاسية تتعامل مع أقصى الجرائم بشاعة، القتل، بكل برود.
وحول أسلوب الترميز الذي ميز الفيلم في مختلف مراحله، فإن المُغتصب الذي أظلم حياة "ملاك" يحمل اسم منير، (جسد هذه الشخصية الفنان محمد الداهش)، وهو شخص مهووس بالسيطرة على كل شيء إلى درجة أنه لا يستطيع رؤية لوحة فنية مائلة على الحائط، كما لم يستسغ عدم ميل "ملاك" له فاعتدى عليها جنسيا.
ومن خلال تفاصيل الشخصية المرسومة في العمل وجريمة الاعتداء يمكن قراءة هذا الفعل ضمن أكثر من مبحث، فإذا تمت قراءته بطريقة قانونية في معزل عن بقية التفاصيل فإنه يصنف "جريمة عنف جنسي"، أما إذا تمت قراءتها جندريا، فإن هذه الجريمة تدخل ضمن طائلة فرض الهيمنة الذكورية و"التأديب" للمرأة التي رفضته وهي أيضا تعبيرة عن إعادة الضبط الاجتماعي لها وتثبيت الحدود الجندرية التي يكون فيها هو المُهيمن وهي المُهيمن عليها.
ولم يكتف هذا العمل الذي كتبت نصه صوفيا حواص، بطرح العنف الجنسي وإنما تطرق أيضا للعنف المادي والاقتصادي والعنف المسلط على الأطفال، فضلا عن الوصم الاجتماعي والتمييز العنصري، فقبالة غرفة "ملاك"، يقيم زوجان لم يسعفهما الحظ للإنجاب فأصبح الرجل يتذرع بهذا السبب ليسلط على زوجته أنواعا مختلفة من العنف بدءا بالمادي (الضرب) واللفظي (الشتم المتواصل) والمعنوي (الضغط النفسي والتأثيم) ووصولا إلى الخيانة الزوجية على مسامعها. ف"الوكالة" بصفتها فضاء تنتفي فيه الخصوصية ويسمع فيه الجميع ما يدور في مكان إقامة الآخرين، مكنت زوجة هذا المُعنف من سماع خياناته لها مع جارتها "المُطلقة" التي تلجأ إلى "عمالة الجنس" لتوفر موراد لدفع ثمن إقامتها هي وابنتها.
واختار مخرج العمل أن يقدم قصة هذا الثنائي من خلال ثنائي فني، فقد لعب دور المُعنف عبد المنعم شويات ودور زوجته، زوجته الفعلية الفنانة بسمة العشي. ومن المفارقات أن الشخصية التي جسدها عبد المنعم شويات تحمل اسم "لطفي" وهو أبعد ما يكون عن اللطف في التعامل مع زوجته وبقية جيرانه.
غاص العمل في خبايا العنف ففكك بطريقة فنية جزئيات تتجاوز الفعل في حد ذاته ليغوص في "بُنى" التمييز التي رسخت هذا العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي على مدى عقود من الزمن في تونس والعالم، فتناول مسألة تأثيم الضحايا من خلال تحميلهم مسؤولية ما تعرضوا له ووصمهم اجتماعيا، كما تطرق للتعامل الأمني مع ضحايا العنف من خلال مشهد يعكس تعرض الضحية إلى عنف آخر وأخطر لأنه سُلط عليها في مقر "الأمن"، حين ذهبت لتشتكي من اغتصبها.
وللإشارة فإن أحداث الفيلم تغطي فترة زمنية بعيدة عن صدور القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف المسلط على المرأة المؤرخ في أوت من سنة 2017.
وفي اختيار مقصود ويحمل أكثر من دلالة، اختارت كاتبة السيناريو أن تكون "ملاك" مولودة يوم 13 أوت 1991، فرغم أن تاريخ ميلادها يتزامن مع عيد المرأة الذي تحتفي فيه تونس بمجموع المكتسبات القانونية والاجتماعية التي تفاخر بها النساء، إلا أنها اُغتصبت تماما كما تُغتصب هذه الحقوق في مختلف الفضاءات التي تُعنف فيها النساء.
ومن المواضيع التي تعتبر متجددة، التمييز العنصري، الذي تطرق له العمل من خلال شخصية "جيهان" الفتاة التي ترفضها عائلة صديقها لأنها سمراء البشرة، فتضطر إلى العيش بمفردها بعيدا عن الأسرة، ويتبين أنها حامل، فتجهض وتعيش معاناتها مع هذا الوضع الصحي النفسي والجسدي الصعب وحيدة دون دعم من شريكها.
أما العنف الاقتصادي فقد جسده الفيلم بطريقة معمقة ومربكة في الآن ذاته فبقدر إمكانية تعاطف المتفرج مع "منى" الأم "المطلقة" بقدر إمكانية سُخطه عليها لما تُسلطه بدورها على ابنتها من عنف نفسي بأن تجعلها شاهدة على العلاقات الجنسية التي تُقدمها بمُقابل مالي، فضلا عما تشهده الفتاة من شجار بين الأم وطليقها الذي يرفض تحمل مسؤولية طفلته.
وبمعزل عن الأحكام القيمية التي يُمكن أن يُطلقها الأفراد فإن قصتها هي قصة امرأة ضحية عنف اقتصادي لم تعترف به التشريعات إلى حدود سنة 2017، وضحية وصم اجتماعي يطال أغلب المُطلقات ويجعلهن عرضة لعديد الانتهاكات، كما أن طفلتها ضحية كل هذا وضحية أبويها أيضا.
هذه الطفلة التي كانت تعيش ظروفا قاسية جدا، تضع المشاهد أمام حقيقتين، أولهما أن الطفولة المُهددة لا يمكن أن تُحيل على مستقبل إيجابي للوطن، وثانيهما أن حماية هذه الطفولة هو واجب مشترك جسده العمل من خلال محاولة "ملاك" لتأطير هذه الطفلة ودعمها نفسيا.
جمعت "وكالة فيتو" العديد من الهويات الجندرية "المعيارية" و "اللامعيارية" التي كان الرابط بينها العنف. وعلى خلاف أغلب القصص التي تنتهي بانتصار الخير، فإن قصص أبطال هذا العمل انتهت بتضامن بين مختلف الضحايا والداعمين، على غرار جارهم الشاب "خالد" وصديقة "ملاك" والأمني، ولكنه تضامن مؤجج بإعادة إنتاج العنف بآليات وحشية وهو ما يطرح فرضيتين، الأولى أنه في سياق الإفلات من العقاب يسود قانون الغاب وتتم مواجهة العنف بالعنف والثانية أن العنف بمختلف أشكاله يمكن أن يقتل إنسانية الإنسان.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 306665