موسم جمع الطماطم: عطاء بطعم الشقاء وانحناء الظهور ولفحات الشمس
وات -
نعيمة عويشاوي - فقدت أياديهن نعومتها منذ سنوات، وجلدت خيوط الشمس جباههنّ، راسمة ثنايا تحكي بصمت قصة سنوات من الشقاء والعطاء وتجارب عاملات جمع الطماطم، وشتى الأعمال الفلاحية الموسمية التي استنزفت طاقاتهن على مرّ الزمان.
بداخلهن قناعة كبرى، فقد كللن حدّ الإرهاق، دون أن تمللن وتنقطعن طيلة السنة، وحققن سلاما داخليا بانهن خلقن لذلك العمل وان لا شيء يصعب عليهن، وان لا بديل أمامهن لتدبير قوت عائلاتهن وتحسين وضعهن المادي.
بداخلهن قناعة كبرى، فقد كللن حدّ الإرهاق، دون أن تمللن وتنقطعن طيلة السنة، وحققن سلاما داخليا بانهن خلقن لذلك العمل وان لا شيء يصعب عليهن، وان لا بديل أمامهن لتدبير قوت عائلاتهن وتحسين وضعهن المادي.
تنطلق رحلة عملهن الرابعة صباحا، بعد قضاء شؤون المنزل، حيث تنتظر البعيدات منهن عن الضيعات ووحدات تجفيف الطماطم، الشاحنات التي تقلهن مع الشباب في ظروف اغلبها غير آمنة وتواجههن مهام شتّى، اولها جمع الحبّات التي وصلت إلى درجة النضج التام، بعد اختيار الطازجة دون غيرها، ثم وضعها في أواني الجمع، لتحملنها على ظهورهن وترصفنها في الصناديق التي يحملها الشباب بدورهم في الشاحنات او المجرورات.
تجربة اعتبرتها العاملة "حليمة"، التي تجاوز عمرها الخمس والسبعين عاما، والتي عملت منذ نعومة أظافرها في الأعمال الفلاحية الشاقة، من أصعب الأنشطة الفلاحية التي تنطلق منذ الشتاء بنبش الأرض بالمسحاة وزرع الشتلات والاعتناء بها بتنظيفها من الأعشاب الطفيلية ومداواتها، لكن جنيها يظل المرحلة الاشقى، وهي تتم في العراء وتحت لهيب الشمس، فلا تنفع القبعات الشمسية ولا أغطية الرأس، لكن لا مفر من اجل كسب القوت، وفق قولها مرددة "شاقي ولا محتاج".
وتؤكد "لطيفة"، التي باشرت منذ سن الـ12 عاشر سنة مواسم مماثلة، وتعوّد ظهرها على الانحناء تحت جلد الظروف الاجتماعية القاسية، قائلة: انه إضافة الى عامل الطقس وارتفاع الحرارة، يتطلب الجمع الانحناء طيلة ساعات العمل لتتقوّس الظهوربعد سنوات الشقاء الطويلة، وتنهك قوى العاملات قبل أوانها.
وتعتبر "حكيمة الحمراني"، ذات الـ54 عاما، المهن الفلاحية قدرهنّ الذي تصالحن معه، وهي الوسيلة الوحيدة لجني المال وتحقيق الاستقلالية المادية للنساء.
وتابعت موضحة بان السعي وتحقيق الكسب بات ضرورة حتى توفرن حاجاتهن، والعمل يظل عملا لإثبات الذات في عمل شاق يعدّ تحدّ كسبته هي والكثيرات، خاصة إذا حظين بالاحترام في وسطهن المهني وحصلن على حقوقهن المادية أو حصّلنها بالإصرار وعدم الاستسلام ورفض اشكال الاستغلال والممارسات الحاطة من كرامتهنّ.
موسم الطماطم لا يقتصر على الجمع والفرز، فقط، بل تدّعم مع انتشار وحدات التجفيف بأنشطة تشريح الطماطم وتمليحها وتجفيفها تحت أشعة الشمس وإعدادها للتصدير، اذ انتشرت عديد "المناشر" وخاصة بالجديدة والمرناقية، ووجد فيها أبناء تلك المناطق والمعتمديات المجاورة ضالتهم كحلّ مؤقت للبطالة وتحصيل المصاريف الدراسية وخاصة لفئة التلاميذ الذي كان وجودهم ملحوظا اناثا وذكورا في تلك الوحدات والضيعات.
واعتبرت" سعاد" العاملة بوحدة تجفيف بالحبيبية من معتمدية الجديدة، ان هذه الأنشطة الموسمية فرصة لها وللكثيرات للعمل لساعات طويلة، وفي مهام نهارية وليلية قريبا من منازلهن، اذ تقمن مساء بتشريح الطماطم على طول المناشر المقسمة إلى شباك بطول 50 مترا وبمعدل ثلاث ساعات للشبكة الواحدة، ثم يعدن في الصباح الباكر لتقليب الطماطم في عملية تتطلب العودة في مناسبتين يوميا وتنتهي بجمع الطماطم المجففة في الصناديق.
وتصنف "سعاد" مهمة تشريح الطماطم ضمن الادوار النسائية بامتياز، وتكمن مهام الذكور فيها في توزيع الطماطم الطازجة على الشباك والتمليح والمساعدة في الجمع والترصيف. كما ترى انها من اصعب المهن الموسمية بامتياز التي تتطلب انحناء الظهور والأعناق لساعات، وهو ما يتسبب في إجهاد بدني كبير سرعان ما تتعود عليه العاملات.
تصنيف اعتبره الفلاح بمنوبة، عبد العزيز الحكيمي، مؤشرا سلبيا يهدد مستقبل الانشطة الفلاحية، اذ تحتكر المسنات والكهلات اغلب الانشطة الموسمية، مقابل تخلي تام من الرجال وفئة الشباب الذين يفضلون مهاما مريحة وباجور مرتفعة وهو ما يتطلب وسائل دفع جديدة لانقاذ القطاع، وفق قوله.
الظروف الاجتماعية دفعت الكثيرين الى الخروج للعمل وفي اجواء عائلية حضر فيه الاب والام والابناء، اذ اكدت "سمية" العاملة بوحدة تجفيف بالبساتين من معتمدية المرناقية، ان قسوة التجربة وخاصة تحت لهيب الشمس لم تمنع الكثيرات من اصطحاب أبنائهن واغلبهم تلاميذ لمساعدتهن على تحصيل اكثر من الأجور، وتوفير مصاريفهم المدرسية الضرورية التي يعجز الأولياء عن توفير كاملة.
في ذات السياق، تتدخل تلميذة كانت تخفي وجهها بوشاح توقيا من اشعة الشمس الحارقة في وحدة بالحبيبية، أيضا، مؤكدة انها قدمت لمساعدة والدتها التي أنهكت قواها الأعمال الفلاحية طيلة السنة، وذلك رغم رفضها، مشيرة إلى أن اغلب العاملين في "مناشر الطماطم" تلاميذ من الجنسين يؤمنون مصاريفهم الدراسية ويساعدون عائلاتهم، الى جانب شبان عاطلين عن العمل.
لا تستقر الأجور وفق إجماع العاملات والعاملين بوحدات التجفيف فهي ترتفع حسب خفة الأيادي والقدرة على إنهاء مهمة واحدة ومضاعفتها وكذلك القدرة على العمل لساعات طويلة تستمر ليلا في التشريح والتقليب والجمع وغيرها.
ويوفر قطاع الطماطم الفصلية والمجففة بالجهة فرص عمل موسمية هامة مع انتشار ما يعرف بمناشر التجفيف، وإصرار منتجي الطماطم على مواصلة الإنتاج بواسطة مياه الآبار، وتحدي إشكاليات نقص مياه الري بالجهة ومنع زراعة الخضروات خلال الموسم الحالي بسبب ضعف إيرادات مياه الري المتاتية من السدود.
وبلغت مساحات الطماطم الفصلية خلال الموسم الحالي 319 هكتارا وسط تقديرات انتاج من دائرة الإنتاج النباتي بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالجهة، بحوالي 16 ألف طن منها 8500 طن طماطم مجففة، 80 بالمائة منها معد بالأساس للتصدير، وتعد البطان اهم معتمدية منتجة للطماطم بالجهة، وتتاتى اغلب اليد العاملة من الاحياء السكنية المجاورة للضيعات واغلبهن نساء وفتيات.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 290914