القصرين: في منطقة الفحيص الجبلية النائية..تتوسّل الطبيعة المطر ويجتاح العطش حياة البشر والدواب والشجر

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/668eab1b993b85.99621638_hkeifjnlpqomg.jpg width=100 align=left border=0>
Photo TAP


وات - (مكتب للقصرين/تحرير لطيفة مدوخي) - في منطقة الفحيص الجبلية النائية، البعيدة حوالي 70 كيلومترا عن مدينة القصرين، يعاني المواطنون منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر متتالية من الضمأ، حيث يهدّد العطش حياتهم وحياة أشجارهم وحيواناتهم، فعلامات الجفاف تلوح من بعيد في الأراضي والحقول والأشجار والآبار والسدود والينابيع والحنفيات، شاهدة على قساوة الوضع.


تقبع منطقة الفحيص الراجعة بالنظر إلى معتمدية العيون في قلب الطبيعة حيث تلتف حولها أشجار الصنوبر الحلبي وتنتشر بين تلالها قمم الإكليل والشيح والعرعار ، وتشقها الأودية وتقطعها مسالك ترابية وأخرى حجرية جدّ وعرة.
...

يعتمد سكان هذه الربوع بشكل رئيسي على الزراعة وتربية الأغنام وتقطير نبتة الإكليل كمصدر للعيش، وتتنوع محاصيلهم بين الحبوب والفواكه والخضروات، وبعد إنقطاع المياه من البئر العميقة في عمادة عين السلسلة القريبة منهم أصبحت زراعتهم مهدّدة، وذبلت محاصيلهم وفرّط أغلبهم في مواشيهم وحيوناتهم.

في كافة دوائر الفحيص، على غرار العلاوة والنصايرية وأولاد رحال ... يقضي السكان يوميا ساعات طويلة في البحث عن جرّار به صهريج يؤمن لهم نقل المياه الصالحة للشرب مقابل 50 أو 60 دينارا، وغالبًا ما يضطرون لقطع مسافات طويلة للوصول إلى مصادر مياه بعيدة وشحيحة لجلب ما يروي عطشهم في أوعية بلاستكية على ظهر الدواب بعد رحلة تأخذ من جهدهم ووقتهم الكثير.
الحياة هنا تفتقد إلى اللون والنبض، فبعد انقطاع الماء بشكل تام منذ ما يناهز أشهر، أصبح همّ المتساكنين الوحيد في الوقت الراهن هو الحصول على لترات قليلة من الماء لإطفاء ضمئهم وضمئ ما تبقى من حيواناتهم ولإعداد وجبة تسدّ رمقهم دون التفكير في إزالة ما علق بأجسادهم ومنازلهم من أوساخ وأتربة، وما حلّ بأشجارهم الهزيلة التي تتوسل تحت أشعة الشمس الحارقة المطر.
يضطر الرجال والنساء والأطفال والشيوخ للتكيّف مع الظروف الصعبة، آملين أن تجري المياه من جديد في حنفياتهم حتى يعود اليهم نبض الحياة.
الجميع هنا في حيرة من أمرهم يكتنفهم القلق والخوف حيث لا وجود لبوادر حلول قريبة تنهي معاناتهم مع الماء، فالوضع أصبح أكثر حرجا، وبدأ الاستسلام يدب في نفوسهم خاصة بعد تعدّد المكاتيب والمراسلات والإجتماعات مع المسؤولين والمصالح المعنية على المستويين الجهوي والمحلي، وعدم بروز بوادر للانفراج، وفق ماصرح به عدد هام من أهالي ومتساكني الفحيص لصحفية وكالة تونس إفريقيا للأنباء .
استهل المواطن مولدي علوي أصيل منطقة الفحيص حديثه لصحفية (وات) بتوجيه نداء عاجل إلى رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، من أجل التدخل في أقرب وقت ممكن لإيجاد حلّ جذري لمعضلة الماء الصالح للشرب بالفحيص وتمكين المتساكنين من حقهم الدستوري في هذا المرفق الحيوي، قائلا بصوت مختنق منهك وبكلمات يكلفه كل حرف منها جهداً عظيماً وتزيد من شعوره بالضعف والانكسار، "ياسيادة الرئيس هنا في هذه الرقعة الجغرافية النائية الإنسان والحيوان والشجر يئنون من شدّة العطش، وعلى مرأى ومسمع من السلط المحلية والجهوية التي لم تكلف نفسها جلب بعض صهاريج المياه للأهالي لمساعدتهم ولو وقتيا على مجابهة الحرّ، إلى حين إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز أزمة انقطاع الماء أو اضطرابه بالفحيص".
وأردف "أصبح الحصول على الماء شبه مستحيل، وحتى المال لم يعد يتيح التزوّد به، سيما وأنّ أهالي عمادة عين السلسلة رفضوا تمكيننا منه متعللين بنقص منسوبه بالبئر العميقة الواقعة في منطقتهم التي كانت تؤمن منذ سنوات مياه الشرب لكامل منطقة الفحيص"، موضحا أن متساكني منطقة عين السلسلة يستعملون مياه البئر المذكورة للشرب وللرّي في ذات الآن، كما عمد عدد من الفلاّحين إلى حفر آبار عشوائية قربها ما تسبب في نقص منسوبها، ومع ذلك فإن أهالي عين السلسلة غير مسؤولين عن هذه الوضعية فالدولة هي من اختارت تزويد الفحيص من بئر منطقتهم، حسب رأيه.
وشدّد علوي على ضرورة حفر بئر عميقة مستقلة بمنطقة الفحيص بهدف حلّ أزمة الماء بشكل نهائي، مؤكدا أن المجمع المائي بالفحيص ليست لديه أية ديون أو متخلدات بالذمة كما يقوم الأهالي بتسديد فاتورات الاستهلاك بشكل منتظم، حسب تأكيده.
المواطن عبد السلام شقطمي أعرب بدوره لصحفية (وات) عن بالغ استيائه من الوضع الذي أصبح عليه متساكنو الفحيص بعد قطع أهم مورد حيوي عنهم منذ شهر فيفري المنقضي الى اليوم، ما جعلهم في أحلك وأصعب أيامهم يتكبدون يوميا مشقّة كبيرة ومصاريف مشطّة للظفر بصهريج ماء بالكاد يدوم لبضعة أيام.
كما لفت شقطمي بالمناسبة إلى السدّ المحدث بالمنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي والذي تراكمت فيه الأتربة وغطت بنيته الأصلية ما جعله غير قادر على تجميع المياه، التي قال إنها تضيع هباء في الأودية دون أن يتمكن الفلاّحون من الاستفادة منها، كما تحدّث عن المسالك الريفية والفلاحية الوعرة والخطيرة المحاذية للأودية، وطالب بضرورة التدخل لحل مشكل انقطاع الماء الصالح للشراب عن منطقته وصيانة وتهيئة السدّ والطرقات.
من جهته، شدّد رئيس المجمع المائي بالفحيص وعضو المجلس المحلي للتنمية بمعتمدية العيون، يوسف السعايدي، على ضرورة تدخل هياكل الدولة المعنية بشكل فوري وآني وسريع لحلّ أزمة الماء بالمنطقة، ووجّه في هذا الإطار دعوته إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد لإسداء تعليماته للمسؤولين بالجهة للتحرك وإحداث نقطة مائية أو بئر عميقة خاصة بمتساكني الفحيص في سبيل الخروج من معضلة العطش، التي أكّد أنها أثّرت سلبا على حياتهم اليومية وعلى فلاحتهم وعلى ما تبقى لديهم من دواب وحيوانات.
وكشف السعايدي أن منطقة الفحيص تعدّ حوالي 700 ساكن و130 منزلا، ظلّ جميعهم لأكثر من 80 يوما دون ماء لأسباب قال إن حلها سهل من قبل أجهزة الدولة، وفق تقديره، غير أن ما إعتبره غياب الارادة لدى المسؤولين في الولاية والمعتمدية فاقم الوضع وزاد في تأزمه يوما بعد يوم، مؤكدا أنه تواصل عديد المرات مع السلط المحلية والجهوية وعقد مع ممثليها سلسلة من الإجتماعات لكن دون التوصل إلى حل ينهي معاناة الأهالي إلى اليوم.
وبيّن أن منطقة الفحيص تتزوّد منذ سنوات من البئر العميقة الموجودة في عمادة عين السلسلة التي قال إن عددا من الفلاّحين بالعمادة من خارج المنطقة السقوية استحوذوا عليها لرّي أشجارهم وغراساتهم عبر الربط العشوائي ما أدى الى تدني منسوب الماء، كما يرفض الأهالي تمكين متساكني الفحيص من التزود بالماء من بئرهم وقطعها بطرق غير قانونية ما دفعهم إلى رفع عدّة قضايا في الغرض.
وردّا على الإشكالية المطروحة في منطقة الفحيص والمتعلقة بانقطاع الماء عن المتساكنين منذ حوالي 4 أشهر متتالية، أوضح معتمد العيون، فريد ربيع، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن الجمعية المائية بمنطقة الفحيص هي جمعية فرعية والجمعية الأم هي جمعية عين السلسلة التي قال إن رئيسها قدّم استقالته بسبب الربط العشوائي الكبير حول البئر ما أسفر عن تدني منسوب الماء بها وحال دون وصوله إلى منطقة الفحيص .
وأشار المعتمد إلى أنه تعذّر التصدي للربط العشوائي بسبب غراسة أشجار فوق الخط الرئيسي، مضيفا أنه تم مؤخرا عقد 3 جلسات مع المعتمد الأول لولاية القصرين أحمد الحامدي بحضور كافة الأطراف ذات الصلة واللجوء إلى إستعمال القوة العامة غير أن رئيس الجمعية الوقتي خيّر التحسيس والتوعية والتدخل السلمي الذي قال إنه لم يأت أكله مع عدد من المواطنين بعين السلسلة.
وأكد المسؤول المحلي أنه سيتم في أقرب الآجال غلق قنوات الربط العشوائي فور تجهيز مندوبية الفلاحة للمعدات اللازمة لذلك من أجل وضع حد للربط غير القانوني وحتى تتسنى إعادة ضخ الماء إلى متساكني الفحيص.
وأعرب، من جهة أخرى، عن استعداده لوضع صهاريج المعتمدية على ذمة متساكني منطقة الفحيص لتمكينهم من الماء إلى حين عودته إلى قنواتهم، مبرزا في هذا الصدد أنه تم الأحد الفارط توجيه صهريج سعة 5 آلاف لتر من الماء للفحيص، مع وضع صهريج المدرسة الإبتدائية بذات المنطقة على ذمة المتساكنين، وفق قوله.
وفي ردّه على سؤال حول المشاريع المبرمجة لدعم المنظومة المائية بعمادة عين السلسلة وتفادي انقطاع المياه عن المناطق المرتبطة بها على غرار الفحيص، ذكر المعتمد أنه من المبرمج حفر 3 آبار تدعيمية في عين السلسلة، واحدة في منطقة العبايدية، والثانية في منطقة عين السلسلة، والثالثة في منطقة المرثوم، مؤكدا أنه تم التحصل على رخص حفر هذه الآبار في انتظار تدخل إحدى الجمعيات للقيام بعمليات الحفر.
أمّا عن حفر بئر عميقة بمنطقة الفحيص، فقد قال المصدر ذاته "إن هذا الأمر يعود بالأساس إلى مصالح المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين باعتباره أمرا فنيّا بحتا، إلّا أنه يأمل بشدّة أن يتحقّق هذا الأمر لضمان الاستقلالية المنطقة من حيث الموار المائيّة".



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 290679


babnet
All Radio in One    
*.*.*