قطاع الإعلام في تونس: أزمة هيكلية.. ملاحقات أمنية.. وتشريعات تقيّد العمل الصحفي

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/snjthq.jpg width=100 align=left border=0>


وات - ليلى بن إبراهيم - ينفّذ الصحفيون بمؤسسات الإعلام العمومي يوم السبت، إضرابا عامّا احتجاجا على تملّص سلطة الإشراف من أدوارها الحقيقية تجاه المرفق العمومي تمويلا وحوكمة وإحاطة، وتردّي الأوضاع داخل هذه المؤسسات ممّا عمّق أزمتها الهيكليّة.
ويعد هذا الإضراب العام، الذي دعت اليه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بالتنسيق مع الجامعة العامة للإعلام، الأول بالنسبة الى قطاع الاعلام العمومي والثالث في قطاع الصحافة ككل منذ الثورة.

وفي هذا الإطار، تؤكّد نقابة الصحفيين أنّ الوضع داخل مؤسسات الإعلام العمومي (التلفزة والاذاعة الوطنيتين ووكالة تونس افريقيا للأنباء ومؤسسة سنيب لابراس) وغيرها خاصّة منها المصادرة، يتطلّب وقفة جادّة من أبناء القطاع للحفاظ على ديمومة مؤسساتهم، مشيرة إلى أنّ هذا الإضراب هو أمر حتمي وضروري نظرا لما يتهدّد هذه المؤسسات من مخاطر.
...


كما لاحظت أنّ سياسة المماطلة التي انتهجتها سلطة الإشراف سابقا ولازالت تنتهجها السلطة الحاليّة، جعلته يدخل منعرجا خطيرا من التهميش والتفقير وسوء الحوكمة والتوجيه السياسي، بما يهدد مؤسسات كاملة بالإفلاس والإغلاق وإحالة العاملين فيها على البطالة.
وأضافت أنّ تواصل تأزّم الأوضاع حتى بعد 25 جويلية، ساهم في تفاقم المشاكل بهذه المؤسسات، وهو ما يتجلى في تدهور الوضع داخل مؤسسة التلفزة الوطنية منذ تعيين المكلفة بالتسيير ورفض أبناء المؤسسة التحكم في الخط التحريري، وكذلك بالاذاعة الوطنية منذ 5 سنوات، بما خلق حالة فراغ وتراكم للملفات على غرار عدم خلاص أجور صحفيين مشمولين بتسوية الوضعيات.

ونفس الوضع تعاني منه بدورها وكالة الأنباء الوطنية، التي تشهد شغور منصب رئيس مدير عام منذ احداث الاقتحام الأمني للمؤسسة في 13 افريل 2021 على خلفية رفض صحفييها تعيين شخص مقرب من حزب سياسي حاكم انذاك (حركة النهضة)، أما مؤسسة "سنيب لابراس" فتفتقر الى رؤية إصلاحية في ظل حالة الإفلاس وغياب التغطية الاجتماعية، شأنها في ذلك شأن المؤسسات المصادرة على غرار "كاكتوس برود" وإذاعة "شمس أف أم".
وفي هذا الإطار، يقول زياد دبّار عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للصحفيين وعضو نقابة الصحفيين سابقا في تصرح ل (وات)، إنّ مشاكل الاعلام العمومي انطلقت منذ اكثر من 10 سنوات، وكلّها تقع على عاتق الصحفيين في ظل مماطلة السلطة السياسية بحجة قلة الموارد المالية للدولة، رغم أنّ إصلاح الاعلام وخاصة العمومي، وفق قوله، لا يتطلب فقط الأموال بل قليل من الإرادة السياسية، باعتباره قاطرة وضمانة لحرية التعبير في تونس.

وأكّد أنّ الإعلاميين سعوا طيلة الـ 10 سنوات الماضية، إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه في قطاع الإعلام، من خلال سنّ قوانين، أو عن طريق بعض المؤسسات كالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصرس "الهايكا" و "مجلس الصحافة" وهيئات التحرير داخل المؤسسات الإعلاميّة، لكن لا بد لسلطة الإشراف اليوم أن ترسم سياسة عمومية للإعلام في علاقة بمؤسسات الدولة.
كما صرح بأنّ قطاع الإعلام يشكو عدة اشكاليات تمس الصحفيين في علاقة بأجورهم و الوضعية الاقتصادية والتشغيل الهش، ويعاني أزمة هيكلية مع أزمة ظرفية، مبيّنا في هذا الجانب، أنّ الحلّ يجب أن يكون هيكليّا قبل أن يكون ظرفيّا، على غرار تطبيق الاتفاقية الاطارية للصحفيين على الصحفيين قبل سواهم، باعتبار أنّ خاصيات العمل الصحفي تختلف عن خاصيات العمل التقني في الصحافة، وفق تقديره.

الملاحقات الأمنية

التلويح بتنفيذ الإضراب في القطاع العام، جاء تدريجيّا واثر احتجاج عشرات العاملين بالتلفزة الوطنية، على الانحراف بالخط التحريري، أما التصعيد فقد كان على خلفية ايقاف صحفي بإذاعة خاصّة أكثر من 5 أيّام لرفضه الكشف عن مصدره في خبر تعلّق بتفكيك خلية ارهابية بجهة القيروان، وذلك بالإستناد إلى الفصل 24 من قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال عوض المرسوم 115 المتعلّق بقضايا الصحافة والنشر، والضامن لحق الصحفي في حماية مصادره.

وأدان المنتسبون إلى المهنة بشدّة هذا الايقاف وغيره من الملاحقات الأمنية التي تواترت منذ فترة، معتبرين انّ احالة الصحفيين على معنى قانون الإرهاب وملاحقتهم بقوانين لا علاقة لها بالمهنة فيه ضرب لحرية الصحافة ولجوهر العمل الصحفي، ويهدف الى ترهيبهم وتكميم افواههم وهرسلتهم.

وفي هذا الإطار، يقول زياد دبّار إنّ الإشكال اليوم يكمن في جزء من القضاء التونسي، خاصّة على مستوى النيابة العمومية التي ترفض تطبيق المرسوم 115 ، وتتبع في أحكامها ضد الصحفيين مجلة الاجراءات الجزائية او قوانين أخرى كقانون مكافحة الإرهاب ومجلة الاتصالات، في حين أن محكمة التعقيب أصدرت قرارات سابقة تقر بألا يحال الصحفي على العدالة الا عن طريق المرسوم 115 .
وما يشهده القطاع من ملاحقات أمنية وقضائيّة، ينم وفق الدبّار، عن سياسة جزائية للدولة، خاصة وأنه كان بالامكان العمل في ال10 سنوات الماضية على تحويل المرسوم 115 إلى قانون اساسي، كما أنّ البرلمانات المتعاقبة ابتزت الاعلاميين بهذا المرسوم، ونفس هذه المنظومة تبتز اليوم الصحافيين في علاقة بمصادرهم بشأن قضايا الارهاب قصد تخويفهم وترهيبهم.

أمّا نبيل منتصر منسق مشروع "دعم دور الاعلام في الدفاع عن الحريات والمساواة "، فيرى أن حريّة التعبير تبقى دائما معرّضة للضرب والمنع، وليست قيمة ثابتة في ذهنية الحكام وأصحاب السلطة، ولو بعد عقود من الحرية وأشواط من التقدّم وآلاف المكاسب.
ويعتبر أن تونس وكغيرها من البلدان حديثة العهد بالديمقراطية، معرّضة أكثر لهذه العراقيل، وهو ما تبرهنه محاولات تدجين الاعلام وخاصة العمومي منه، عبر تسميات غير صائبة ومخالفة للقانون إضافة إلى الايقافات والمحاكمات .

وفي هذا الجانب، تشير تقارير لوحدة الرصد والتوثيق بمركز السلامة المهنية بنقابة الصحفيين، أنّ سلامة الصحفيين الجسدية والنفسية كانت مستهدفة خلال الخمس أشهر الأولى من اعلان الحالة الاستثنائية، في أكثر من 30 مناسبة من قبل عديد الأطراف، وأبرزهم قوات الأمن إضافة إلى جهات غير رسمية.
وتؤكّد هذه التقارير، أنّه كان للسلطة القضائية دور في ملاحقة الصحفيين خارج اطار عملهم في أكثر من مناسبة، موضّحة أنه تمّ إحالة صحفيين في حالتين على معنى قضايا أمن الدولة لانتقادهم قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال الفترة الاستثنائية، إضافة إلى إحالة صحفيين على القضاء العسكري في مناسبة وأمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في مناسبتين.

تشريعات لا تحمي الصحفيين

من جهة أخرى، يرى المهتمون بالشأن الإعلامي في تونس، أنّ إحالة الصحفيين وملاحقتهم أمنيا وقضائيّا، سببه التشريعات القانونية الحالية التي في مجملها قديمة ومتخلفة ولا تحمي الحقوق والحريات بشكل عام والصحفيين بشكل خاص.

ويؤكّدون أنّ ملاحقة الصحفيين على معنى قانون مكافحة الارهاب والمجلة الجزائية ومجلة الاتصالات، فيه ضرب لحرية العمل الصحفي وترهيب للصحفيين، خاصّة وانّ القاعدة القانونية تنصّ على انّ القانون الخاص يسبق القانون العام، ممّا يعني أن المرسوم 115 هو الضامن لحقوق الصحفيين والوحيد الذي يجب تطبيقه في جرائم الصحافة.
من جهتها، تعتبر الهياكل المهنية انّ الإحالات والإيقافات تأتي في سياق معاد لحرية التعبير، وتعكس توجها سياسيا وعدم احترام للمعايير الدولية التي تمنع تتبع الصحفيين بسبب ممارستهم لعملهم، داعية الى ضرورة أن تتمّ ملاحقة الصحفيين استنادا الى التشريعات التي تخص القطاع وليس بموجب المجلة الجزائية التي لم يقع تعديلها، أو مجلة الاتصالات التي مازالت تتضمّن بعض الفصول الزجريّة أو على معنى قانون مكافحة الإرهاب.
وفي هذا الصدد، يقول زياد دبّار إنّ الثابت والأكيد أن القوانين التي حكم بها بن علي مازالت موجودة في أذهان القضاة، في ظل غياب الارادة السياسية، مبيّنا أنّ التهديدات وردت في شكل اعتداءات وصنصرة، وتطورت الى درجة ايقاف صحفي لأكثر من 5 ايام تحفظيّا لأنّ القاضي رأى أنه يمثل خطرا على المجتمع .
بدوره، أفاد المحامي بديع بوزكري في تصريح ل (وات)، بأنّ حريّة العمل الصحفي محميّة جزئيّا بموجب المرسوم 115 ، الذي يعدّ نصّا ثوريّا مقارنة بقانون الصحافة، لتجاوزه العقوبات السجنية التي كانت تطال الصحفيين، لكنّ الإشكال والخطأ يكمن اليوم في التطبيق، مثلما حصل في قضيّة الصحفي الذي تمّ إيقافه مؤخّرا، مبيّنا في هذا الجانب، أنّ قانون مكافحة الارهاب نفسه يقر وجوب مراعاة مرسوم الصحافة.
وأوضح أنّ المرسوم 115 الذي سنّه مجموعة من الخبراء سنة 2011 ، وضع ضوابط وشروط العمل الصحفي وغيرها من المفاهيم، لكنّ تبيّن بعد الممارسة انّه يتضمن هنّات لا بدّ من مراجعتها خاصّة في علاقة بعمل الصحفي.


النفاذ المقيّد

على صعيد آخر، يجمع الكثير من أبناء القطاع، على أنّ الملاحقات والمضايقات التي تطال الصحفيين، سببها تشريعات تتعارض فصولها مع الحقّ في النفاذ الى المعلومة .
ويرون أنه رغم الآمال العريضة التي علّقها الاعلاميون على القانون المتعلّق بالحق في النفاذ الى المعلومة لسنة 2016 ، للقيام بدورهم في إنارة الرأي العام خاصّة في القضايا الحسّاسة، فإنّ ما يعترضهم من عقبات وقيود تجعل من هذا الحقّ مكبلا.
كما يعتبرون أنّ كافة القوانين تصبح مفرغة من محتواها وتحول دون قيام الصحفي بمهامه، في ظلّ تعمّد عدد من الوزارات والمؤسسات العمومية حجب بعض المعلومات عن الصحفيين وإصدار مناشير في الغرض، مؤكّدين أنه لا يمكن الحديث اليوم عن حق النفاذ الى المعلومة مع وجود المنشور عدد 20 الذي أصدرته الحكومة الحالية.
وفي هذا الجانب، تشير بعض تقارير وحدة الرصد والتوثيق بنقابة الصحفيين، إلى أنّ بعض مؤسسات الدولة كمؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، فرضت قيودا تعيق حرية تداول المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف مؤسسات الإعلام في الحصول على المعلومات.
وتؤكد هذه التقارير، أنّ 49 بالمائة من جملة الاعتداءات التي طالت الصحفيين سنة 2011 تعلقت بالحق في الحصول على المعلومات والنفاذ إليها، وأنّ أطرافا رسمية انخرطت في الممارسات والإجراءات التي من شأنها عرقلة الصحفي في القيام بعمله (المضايقة) أو تحول دون قيامه به (منع من العمل) او احتجازه لتعطيل قيامه بعمله (احتجاز تعسفي).
كما تبين التقارير، أنّ الجهات الرسمية (رئاسة الجمهورية والحكومة والأمنيين والولاة) كانت الأكثر مسؤولية عن الاعتداءات المسلطة على الصحفيين والمرتبطة بضرب الحق في النفاذ إلى المعلومات والحصول عليها، عبر فرض ممارسات تمييزية تقوم على أساس الولاءات .
يشار إلى أنّ تونس كانت قد أكّدت بمناسبة احياء اليوم العالمي لحرية الصحافة في ماي 2021، ووفق ما جاء في بيان لوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج "التزامها التام بضمان الحق في حرية الرأي والتعبير وفقا لما نص عليه الدستور، وبما يتلاءم وتعهداتها الدولية ذات الصلة."
ويذكر أنّ الطرف الحكومي تغيّب عن الجلسة التفاوضيّة المقرّر عقدها الثلاثاء الفارط، قبل تنفيذ الإضراب العام في مؤسّسات الإعلام العمومي، والتي كانت مخصصة للنظر في المطالب الواردة بلائحة الإضراب.
وقد اعتبرت نقابة الصحفيين هذا الغياب غير المبرر، فيه تملص واضح من مسؤولياتها ويدفع نحو تأزيم الوضع الإجتماعي في مؤسسات الإعلام العمومي، ودليل على حجم اللامبالاة في التعامل مع مرفق حيوي يلعب دورا حاسما في ادارة الحوار العام حول كبرى القضايا الوطنية.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 243882


babnet
All Radio in One    
*.*.*