Bookmark article
Publié le Samedi 06 Avril 2013 - 20:03
(Archives)
نشر هذا المقال في - First published on: 06 April, 2013
قراءة: 3 د, 2 ث
رسالة علي لعريض الى أحد رفاق القضيّة بعيد انتهاء محاكمات أمن الدولة وأحكام الاعدام التي طالته سنة 1987، ما الذي يشغله؟ كيف ينظر الى طبيعة الاحداث؟ ما موقفه من الحريات والفئات المفقرة؟ ومواقف عديدة جديرة بالاطلاع.
برج الرومي، 27 ذو القعدة 1408. 12/07/1988 الأخ العزيز صادق
أحمد الله تعالى لك وأصلّي وأسلّم على نبيّه ومصطفاه... وبعد..
أخي الكريم... هاتان مدرستان نتعلّم منهما التأثير في الواقع وتوجيهه ونحكم بهما التصرّف في شؤون الحياة... هما تدارس الكتب ومعايشة الواقع. في علاقة تأثّر وتأثير وإفراز للجديد والجميل باطراد. فلازمهما ما استطعت وخصّص لما قد تأباه النفس وقتا، والزم به نفسك وحدك أو مع غيرك وفي التعاون رحمة ورأفة بالنفس.
لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن نترعرع في أمّة نخر جسمها التخلّف والاستعمار واحتدّت الصراعات والأزمات داخلها ومع أعدائها، وتشتّتت شظايا بعد طول وحدة وريادة، وغدت – برغم ما تملكه – مُداسة المقدّسات، مُحتلّة الأراضي، مهتوكة العرض، متخلّفة على المستويين الإنساني والمادّي، فاقدة كلّ إسهام أو إضافة إيجابيّة للإنسانيّة أو تكاد، وكان من نتيجة كلّ ذلك أن كبرت مسؤوليتنا تجاه هذه الأمّة عامة في كلّ قطر من أقطارها.
الأخ الكريم : ما أخالك إلاّ مقتنعا تماما بأنّ استشعار آلام الناس وآمالهم والعيش مثلهم ولهم ومن أجلهم والاستماتة في النضال من أجل الترقّي بهم أدبيّا وماديّا هو أهمّ هدف دعانا المولى سبحانه وتعالى إلى أدائه تجاه غيرنا، فلا تتأخّر وثق في شعبك وأمّتك واعلم أنّ تلك المدرسة، مدرسة الناس المستضعفين، مدرسة الواقع، مدرسة البسطاء والعوامّ، إنّها المعبّر الأكثر عن الحقائق الاجتماعيّة وإنها أصدق في كثير من الحالات من تحاليل النخب وعباقرة الكلام وثوريي المناسبات والصالونات، لازم شعبك، عايشه وعش معه وبه واحمل همّه وتوكّل على الله تعالى في كلّ ذلك، واعلم أنّ ذلك واجب دينا وعقلا وأنّ تلك أكبر مهمّة الخلافة الإلهيّة التي جوهرها إصلاح للنفس والغير ومقاومة للفساد في النفس وفي الغير وفي الواقع. استلهم من الوحي وتعبّأ به، وطّنه في نفسك وأهلك وقومك، وثق في قدرتك على الفعل والإنجاز والإبداع وفي قدرة شعبك وأمّتك على النهوض والتدارك، وثق في أنّ الله تعالى معك بالتدخّل المباشر وبتسخير السنن لفائدة ما نسعى إليه من نبيل الغايات بشريف الوسائل.
وطّن نفسك أخي على أن تكون مواقفها ومناهج تعاملها، مع الأحداث ومع كلّ أمر، مبنيّة على إجابة رصينة مقنعة وحيا وعقلا على سؤال لفائدة من هذا الموقف ؟ هل بهذا يتقدّم الإسلام ؟ هل بهذا تنهض الأمّة ؟ هل بهذا يزدهر الشعب ؟ هل في هذا أنانيّة أم تضحية ؟ انهل من الكتب والشروح وإنتاج الإنسانيّة فإنها مفاتيح للذهن تفتّقه، تمنهجه، وتدعم قدرته. عِ مكاسب وطنك وصنها وادعمها وحاذر من تصغيرها، أو تحقير البعض لها، ليكن همّك الإضافة والتطوير قبل استنكار الأخطاء... حاذر المخاطر التي عادة ما تعصف بالمناضلين، مخاطر الارتخاء والاستسلام للدنيا، ومخاطر الابتعاد عن الأهداف السامية المحدّدة. قاوم في نفسك وأهلك وقومك كلّ نزعات الفرديّة والنفعيّة والاستقالة، واللّامسؤوليّة واليأس. عمّق في نفسك حبّ الشعب وقضاياه حبّ الجماهير كلّها والرحمة والشفقة عليها، واشعر دائما أنّك منها وبها ولها وأنّك ابنها... ابنها... ولها عليك كلّ حقوق الأبوّة وكلّ واجبات البنوّة البارّة. كن للجماهير إسلاما يمشي على الأرض ويتكلّم ويعالج قضاياهم، ليكن هدفك، بخلقك وفعلك، أن توصل الجماهير قريبا إلى الاقتناع الكامل بأنّ نضالها من أجل سيادة الإسلام هو جوهر نضالها من أجل تحقيق آمالها في الحريّة والعدالة والتقدّم والعكس بالعكس أيضا... إنّ اليوم الذي يتحقّق فيه هذا الأمر (النضال من أجل الإسلام هو النضال من أجل الحريّة والتقدّم) لدى أوسع الجماهير ولدى الإسلاميين، هو اليوم الذي تحصل فيه النقلة النوعيّة الكبرى بينما كان وسيكون، ليتواصل البناء والتشييد والتطوير والتجديد والترسيخ...
ثابر على توطين نفسك وأهلك وقومك على الإيمان العميق وتقوى الله تعالى في كلّ أمر في الحياة فذلك هو ترجمة الإيمان الحيّ...
لا أطيل أكثر عليك... فالمعذرة : عمّق الإيمان، عمّق حبّ الخير للناس كلّ الناس، عمّق حبّ الجماهير وكلّ قضاياه، غلّب الحبّ واطرد الحقد من نفسك عن الجميع.
وفّقك الله والسلام... لعريّض.
Comments
34 de 34 commentaires pour l'article 63034