بيانُ الخارجية التونسية شجاع — ويتعيّن أن تتبعه إجراءات حاسمة

كريم السليتي (*)
بغضّ النظر عن تفاصيل الملابسات، الذي قام بالجريمة الشنيعة في مرسيليا هو جهاز الشرطة الفرنسي ضد مهاجر تونسي أعزل. لا حاجة هنا لسرد روايات تبريرية — المطلوب تحقيق شفاف ومساءلة حاسمة، فتغطية الحادث أظهرت أن الرجل قُتل بدم بارد بعد تدخل أمني.
بغضّ النظر عن تفاصيل الملابسات، الذي قام بالجريمة الشنيعة في مرسيليا هو جهاز الشرطة الفرنسي ضد مهاجر تونسي أعزل. لا حاجة هنا لسرد روايات تبريرية — المطلوب تحقيق شفاف ومساءلة حاسمة، فتغطية الحادث أظهرت أن الرجل قُتل بدم بارد بعد تدخل أمني.
هذا ليس حادثًا معزولًا، بل يندرج ضمن مناخ أوسع من العنف ضد المهاجرين. وتكرار حالات الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة الفرنسية أثارت غضبًا واسعًا داخل فرنسا (قضية ناهل 2023 أنموذج حي).
بيان وزارة الخارجية التونسية كان قويًا وشجاعًا ومشرفًا جدًا، وقد استُتبع باستدعاء القائم بالأعمال بالنيابة بالسفارة الفرنسية لإبلاغه احتجاج تونس على هذه الجريمة النكراء والمطالبة بتحقيق شفاف ونزيه يضمن حقوق الضحية.
غير أن التجربة العملية تُعلّمنا أن لغة الاحتجاج وبيانات الشجب وحدها لا تكفي — الشريك الأجنبي يتفاعل بجدية حين تتبعه خطوات دبلوماسية وقانونية وقياس تكلفة فعلية.
من الأمثلة العملية على ذلك، أن دولًا إفريقية اتخذت إجراءات دبلوماسية وإدارية حازمة في خلافات مع باريس خلال الأعوام الأخيرة: سحب السفراء أو تعليق اتفاقيات اقتصادية أو ثقافية أو أمنية أو إدارية أو مراجعة امتيازات دبلوماسية صار واحدًا من أدوات الضغط التي استخدمتها دول مثل الجزائر وبوركينا فاسو والنيجر عند توتر العلاقات. هذه السلوكيات تُظهر أن الردّ المنظّم والصريح له أثرٌ حقيقي في فرض وقائع جديدة على طاولة الجانب الآخر.
بناءً على ذلك، فإن البيان الدبلوماسي التونسي مشرف وصحيح — لكن عليه أن يُتبع بحزمٍ وببرنامج عمل واضح ومُقنّع على المستوى الشعبي والجمعياتي والرسمي.
ولنكن صريحين مع أنفسنا، هناك إجراءات عديدة تهم سيادتنا اللغوية والثقافية والإدارية تأخر كثيرا تطبيقها. وسبقتنا إليها دول إفريقية كثيرة — كنا نسخر في الماضي من مفهوم السيادة لديها وهي تتضمن قواعد عسكرية فرنسية — لكن انظروا اليوم إلى ما وصلت إليه من ندية في التعامل مع المستعمر السابق، وفرض سيادتها على أراضيها.
وفي ما يلي إجراءات عملية (ضرورية وإن تأخّرت):
1- مراجعة رسمية ومجتمعية للأسماء العامة:فتح ملف وطني لمراجعة أسماء الشوارع والميادين التي تمجّد رموزًا استُخدمت لتبرير الاستعمار أو تثير الجدل، واستبدالها تدريجيًا بأسماء تاريخية أو وطنية من صميم هويتنا.
2- تعريب ممنهج للفضاء العام:
خطة زمنية لتعريب لافتات المؤسسات والإشهار والإعلانات عبر حوافز تشجيعية وإجراءات إدارية مسهلة للشركات الصغيرة والمتوسطة، مع حملة توعية تقودها الجمعيات والمجتمع المدني.
3- تنقية الخطاب الإعلامي:
حثّ القنوات الإذاعية والتلفزية على الامتناع عن الابتذال اللغوي بخلط لهجتنا التونسية بعبارات فرنسية، مع تشجيع الإنتاج البرامجي الوطني الذي يعزز الهوية.
4- إصلاح لغوي وتربوي:
سياسة تعليمية تعطي الأولوية للغتنا الوطنية والرسمية، مع تعزيز الإنجليزية كلغة عالمية عملية وداعمة للعربية، وإعادة صياغة مكانة الفرنسية كلغة أجنبية ثانية.
5- إلزام الشركات والمؤسسات:
إلزامها باستخدام اللغة الوطنية في المراسلات والتقارير وكراسات الشروط والوثائق الرسمية الموجهة للعموم.
6- مراجعة نشاط المعاهد الثقافية الأجنبية:
فتح تحقيق ثقافي وقانوني في نشاط المعهد الفرنسي وإعادة التفاوض على شروط عمله أو تقييد نشاطاته إذا تجاوز نطاق الثقافة.
7- انسحاب مرحلي من آليات فرنكوفونية:
دراسة جدية لتعليق أو مراجعة المشاركة في الهياكل الثقافية الدولية التي تعزز التبعية اللغوية والثقافية.
8- إيقاف الابتعاث الإداري:
إيقاف التعاون الإداري مع فرنسا في التكوين، بعد أن أثبت أنه يكرّس الفقاعة الفرنكوفونية.
إن تبني هذه التوصيات سيُحوّل الاحتجاج الدبلوماسي إلى تكلفة مُقاسة على الجانب الفرنسي إن امتنع عن الشفافية أو العدالة. كما أنها تساهم في ردّ الكرامة الوطنية بأدوات قانونية وثقافية، لا بمجرد شعارات.
هذا فضلًا عن تثبيت الهوية الوطنية وضمان حضورها القوي في الفضاء العام، وفي البرامج التعليمية والاقتصادية والإدارية بما يحقق اكتمال السيادة الوطنية.
بيان الخارجية التونسية خطوة صحيحة ومشرفة — لكن يتعين أن تُستتبع بخارطة إجراءات شعبية ورسمية ضمن جدول زمني وقابل للقياس. لا نريد الاكتفاء بكلمة دون أثر؛ بل نريد إجراءات تُعيد الحقوق الثقافية واللغوية وتعزز السيادة والهوية الوطنية، وتثبت أن الدولة تأخذ مسألة الإساءة لمواطنيها وكرامتهم بجدّية.
كاتب وباحث تونسي في الإصلاح الإداري
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 314322