عندما يُصبح التواكل عقلية منتشرة: كيف يُفسد استحقاق المساعدة تربية الأطفال؟

كريم السليتي (*)
أسرعت الأم نحو طفلها الصغير الذي سقط أرضًا أثناء اللعب. ركضت نحوه بلهفة، حملته بين ذراعيها، ومسحت على رأسه بلطف قائلة: "لا تقلق، سأكون دائمًا هنا لأساعدك". كان المشهد دافئًا ومليئًا بالحنان، لكن السنوات مرت، وكبر الطفل معتقدًا أن العالم كله سيحمله ويهتم به كما فعلت أمه. في كل مرة كان يواجه مشكلة، كان ينظر حوله منتظرًا من يأتي لينقذه، حتى وجد نفسه في مواجهة الحياة الحقيقية وحيدًا... وهنا كانت الصدمة.
أسرعت الأم نحو طفلها الصغير الذي سقط أرضًا أثناء اللعب. ركضت نحوه بلهفة، حملته بين ذراعيها، ومسحت على رأسه بلطف قائلة: "لا تقلق، سأكون دائمًا هنا لأساعدك". كان المشهد دافئًا ومليئًا بالحنان، لكن السنوات مرت، وكبر الطفل معتقدًا أن العالم كله سيحمله ويهتم به كما فعلت أمه. في كل مرة كان يواجه مشكلة، كان ينظر حوله منتظرًا من يأتي لينقذه، حتى وجد نفسه في مواجهة الحياة الحقيقية وحيدًا... وهنا كانت الصدمة.
خطورة عقلية التواكل واستحقاق المساعدة في التربية
تربية الأطفال على فكرة أنهم "يستحقون" المساعدة بشكل دائم، وأنه من واجب الأهل أو الأصدقاء أو المجتمع أو الدولة مساعدتهم، تبدو في ظاهرها أمرًا إيجابيًا، لكنها في الحقيقة تُشكِّل خطرًا نفسيًا وسلوكيًا كبيرًا. هذا النوع من التربية يزرع في الطفل عقلية الاستحقاق (Entitlement)، وهي الإيمان بأن الآخرين مدينون له بالمساعدة والدعم دون أي مقابل في كل مرة يوقع الطفل/الشخص نفسه في مشكلة.إن مساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم أخلاق عظيمة وقيم راقية وأفعال جليلة يُؤجر عليها الإنسان أجرًا عظيمًا، لكن يتعين أن لا يتحول ذلك لصناعة أجيال من المتواكلين الكسالى، أو أن يتحول هذا العطاء إلى شعور مُستحق يُفسد النفس ويقتل روح المبادرة لدى المتلقي.
1. إضعاف الاعتماد على الذات
عندما يعتاد الطفل على تلقي المساعدة بشكل فوري في كل موقف، فإنه يفقد تدريجيًا مهارات حل المشكلات والاعتماد على الذات. كيف سيتعلم الصبر أو الإبداع في إيجاد حلول إن كان يعرف أن هناك دائمًا من سيتدخل؟ الواقع يشهد أن أكثر الأشخاص نجاحًا هم من واجهوا التحديات بمفردهم في البداية.2. تنمية الأنانية وقلة الامتنان
الأطفال الذين ينشأون على عقلية الاستحقاق أو التواكل نادرًا ما يُقدِّرون جهود الآخرين أو يشكرونهم. بل إنهم يظنون أن المساعدة واجب على الجميع، وليس فضلًا أو إحسانًا. وعندما يكبر هذا الشخص، قد يتحول إلى شخصية أنانية، لا تُقدِّر العلاقات الإنسانية ولا تفهم قيمة التعاون.3. الإحساس بالظلم والإحباط
من أخطر نتائج هذه التربية هو الشعور بالظلم في حال غياب المساعدة المتوقعة. فالطفل الذي تعوّد أن يحصل على ما يريد دائمًا سيشعر بالغضب الشديد إذا لم يُلبِّ أحد احتياجاته. ومع مرور الوقت، قد يتحول هذا الشعور إلى إحباط عميق، أو حتى كراهية للمجتمع. ومن النتائج أيضًا لهذه التربية أن يشعر بأنه ضحية ويلقي دائمًا بالمسؤولية على الآخرين في فشله.4. الإهمال واللامبالاة وانتظار الحلول من الآخرين
الأطفال الذين يعانون من مشكلة التواكل، يصبحون أناسًا فوضويين بمعنى الإهمال واللامبالاة بالقوانين والأعراف الاجتماعية والدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب، لأنهم ينتظرون دائمًا أن هناك من سينقذهم إذا وقعوا في مشكلة. كالشاب الذي يقود سيارة بدون رخصة لأنه يتوقع أن خاله المسؤول الأمني في شرطة المرور سوف يتدخل لإنقاذه إذا ما أوقفته الشرطة.5. عدم مساعدة الآخرين
هذه النوعية التي تربت على التواكل والأنانية والإحساس بالاستحقاق لمساعدة الآخرين واستبطان دور الضحية والمظلوم، هم عادة من أقل الناس مبادرة لمساعدة الآخرين أو تقديم أي نوع من القيمة المضافة للمجتمع، لأنهم تربوا على الأخذ وليس العطاء. مثلًا، دائمًا يستدين الأموال من أقاربه أو زملائه ويغضب جدًا إذا طُلب منه إرجاع تلك الأموال لأنه يرى أنه مستحق لها أكثر من الذي أسند له الدين. كما أنه يغضب جدًا إذا طلب منه أحد سُلفة، لأنه يرى أنه هو المستحق للمساعدة المالية.البديل التربوي السليم
1. تعزيز ثقافة الامتنان: علّم طفلك أن يشكر من يُقدِّم له المساعدة، وأن يُدرك أن العطاء ليس حقًا مكتسبًا.2. تدريب الطفل على الاعتماد على النفس: كلفه بمسؤوليات تتناسب مع عمره، مثل ترتيب غرفته أو المساعدة في إعداد الطعام.
3. التمييز بين الحاجة والاستحقاق: علّمه أن طلب المساعدة عند الحاجة أمر طبيعي، لكن انتظار الآخرين دائمًا لإنقاذه ليس كذلك.
وقد عزز الإسلام ثقافة العمل والاعتماد على النفس، وأعلى من شأن من يعف عن السؤال إلا عند الحاجة الماسة، لأن هذا جزء من بناء شخصية قوية ومستقلة.
فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم:
"من يتكفَّل لي أن لا يسأل الناس شيئًا وأتكفل له بالجنة؟" فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا.
(رواه أبو داود والنسائي)
وقال: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ.»
(متفق عليه).
إن تربية الأطفال ليست فقط في توفير الحب والرعاية، بل أيضًا في إعدادهم لمواجهة الحياة بصلابة وتعاطف في آنٍ معًا. إذ يتعين أن نُعلِّمهم العطاء دون انتظار المقابل، وأن نُساعدهم عند الحاجة دون أن نخلق لديهم وهم الاستحقاق الدائم والتواكل على الآخرين... هذه هي التربية المتوازنة التي تُخرج أجيالًا واثقة، ممتنة، ومسؤولة.
كريم السليتي
كاتب وباحث في الإصلاح
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 303326