ظاهرة المقاهي السياسية في تونس
بقلم الأستاذ بولبابه سالم
انتشرت في تونس ظاهرة المقاهي السياسية بمناسبة انطلاق الحملات الانتخابية للبلديات يوم 6 ماي القادم ، و الحقيقة ان هذه الظاهرة برزت بعد الثورة ضمن اطر محدودة .
انتشرت في تونس ظاهرة المقاهي السياسية بمناسبة انطلاق الحملات الانتخابية للبلديات يوم 6 ماي القادم ، و الحقيقة ان هذه الظاهرة برزت بعد الثورة ضمن اطر محدودة .
و اختارت الكثير من الاحزاب و القائمات المستقلة تنظيم حوارات سياسية داخل المقاهي للقاء المواطنين و التفاعل معهم مباشرة لان الشباب التونسي يقضي اغلب اوقات فراغه في هذه الفضاءات ، وهي ايضا مناسبة للتحسيس بقيمة مشاركة هذا الشباب في الاستحقاق الانتخابي نظرا لعزوف الكثير منه عن هذه المواعيد بسبب خيبة امله في النخبة السياسية رغم انه كان وقود الثورة التي اطاحت بالدكتاتورية .
في هذه الحوارات تحضر النكتة و التلقائية و الحماس و الغضب باعتبار تفاوت التكوين العلمي و الثقافي للمتدخلين في النقاش مع احد القيادات الحزبية او مع كل القائمة المترشحة .. هذه المقاهي تنزل المسؤول السياسي من عليائه و ينخرط مع الناس في مشاغلهم عبر خطاب مباشر دون ماكياج او وساطات ، و من المفارقات التي عشتها اخيرا في احد المقاهي السياسية عندما سألت احدهم عن سبب انسياقهم وراء بعض المنابر التي تروج للصراعات الايديولوجية التي نفر منها التونسيون اجابني " انهم يدفعوننا نحو هذه المواضيع و احيانا نقع في الفخ لانهم يغيرون موضوع البرنامج بطريقة مفاجئة " و الحقيقة ان اغلب الفاعلين السياسين يدركون صعوبة الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية خاصة مع انهيار صرف الدينار و ما رافقه من ارتفاع للاسعار اضافة الى تفشي الفساد و تردد الحكومة في ملاحقة المهربين . يشكل الاقتصاد الموازي نسبة خمسين بالمائة و الدولة عاجزة عن مواجهته لانه لا توجد ارادة سياسية لملاحقة اباطرة التهريب ، و هؤلاء ساهموا في وصول البعض الى السلطة . هذه الوضعية دفعت الشباب الى العزوف عن السياسة عدا شباب الاحزاب .
لكن الانتخابات البلدية مختلفة عن سابقاتها خاصة مع المصادقة على مجلة الجماعات المحلية التي قطعت مع المركزية و كرست السلطة المحلية و تفرغ رئيس البلدية مما سيساهم في ازالة الكثير من البيروقراطية الادارية التي عرقلت تفعيل القرارات .
الحوارات التي تدور في المقاهي السياسية محورها تحسين الخدمات البلدية و تهيئة بعض الفضاءات و العناية بالبيئة و رفع الحس المواطني بدفع الاداءات البلدية و تحسين ظروف العيش وهي لبنة اخرى في تشكيل وعي سياسي ارادت انظمة الاستبداد طمسه ليسهل استبلاه الناس و استغفالهم و السيطرة عليهم ، و الاجمل ان هذه الحوارات تدور وسط تنافس حاد بين القائمات المترشحة و ضمن الدائرة البلدية الواحدة دون استفزازات او عنف لفظي و مادي عدا بعض التعليقات الفيسبوكية .
اقتصرت المقاهي السياسية في السابق على الصالونات الفخمة و اقتصرت على نقاش النخب، وتحولت اليوم الى المقاهي الشعبية و الاحياء و الاسواق، والى وقت قريب قبل الثورة كانت هذه الفضاءات تعتبر الحديث في السياسة من التابوات و البوليس السياسي يتكفل بالبقية .
و حتى لا نجعل ظاهرة المقاهي السياسية مقتصرة على هذه الفترة المرتبطة باستحقاق الانتخابات البلدية ، فإننا نشير ان بعض المقاهي في العاصمة يرتادها السياسيون و صارت مختصة في الحوارات السياسية و النقاشات الفكرية و الثقافية و تتفاعل مع الاحداث الوطنية و الدولية ، و الكثير من التسريبات تكون مصدرها هذه الاماكن كما ان بعض القرارات المهمة تطبخ في هذه المقاهي .
للتذكير فقد كانت بعض المقاهي وسط العاصمة محسوبة على تيارات سياسية معروفة زمن اشعاع الحركة الطلابية في السبعينات و الثمانينات و بداية التسعينات .
هذه بعض ثمار الحرية ، فقد اقتحمت السياسة المقاهي التي كانت لا تتكلم الا في الرياضة .
كاتب صحفي
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 160984