في مثل هذا اليوم... الساق الخشبية

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/hamammmamchott.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم مهدي الزغديدي
#‏كيفما_اليوم


في مثل هذا اليوم غرّة أكتوبر 1985 قامت قوّات الإحتلال الصهيونيّة بقصف بقصف مدينة حمام الشط التونسيّة في محاولة للقضاء على قيادات منظمة التحرير الفللسطينيّة.
...

كان همّ دولة الإحتلال الصهيونية القضاء على المقاومة الفلسطينيّة الممثلة في منظمة التحرير والتي تتخذ من بيروت مقرّا لها، فقامت سنة 1982 باجتياح لبنان وحصار العاصمة بيروت، الذي لم ينته إلّا باتفاق بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني يقضي بإخلاء بيروت من أعضاء المنظمة مقابل عدم تتبعهم بالقتل. وقبلت تونس استضافتهم، فقدموا مع عائلاتهم في صائفة 1982، واستقرّ أغلبهم في مدينة حمّام الشط في الضاحية الجنوبيّة للعاصمة تونس. لكن الكيان الصهيوني لم يهدأ له بال وبقي يتعقّب القيادات الفلسطينيّة لتصفيتهم فرديّا، خصوصا في أوروبا. فقامت المنظمة بعمليّة انتقاميّة، اذ تعقّبت أهم أعضاء الموساد الذين كانوا يقومون بتصفية واعتقال القادة الفلسطينيّين، وفي فجر 25 سبتمبر 1985 قام 3 فدائيين باقتحام اليخت " فيرست " في ميناء لارنكا القبرصي وقاموا بالقضاء على 3 عملاء من الموساد. وقد أحدثت هذه العملية صدمة عنيفة لدى " الموساد " وأوساط المخابرات الإسرائيلية، فقرّرت الحكومة الصهيونيّة القضاء على جميع قادة منظمة التحرير الفلسطينيّة وعلى رأسهم رئيسها ياسر عرفات.

بدأت الحكومة الصهيونيّة بالإعداد للتنفيذ وتمكنت من الحصول على صور أقمار صناعية دقيقة عبر محلل في المخابرات العسكرية الأميركية، كُشف فيما بعد وحكم بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة، وقد أطلقت إسرائيل على هذه العملية اسم "عملية الساق الخشبية". كما قام الموساد بالاستعانة بعملائه في تونس لتحديد تحركات القيادات الفلسطينيّة لتحديد موعد اجتماعهم بهدف القضاء عليهم مرّة واحدة. وكان الموعد يوم غرّة أكتوبر، فقد دعا ياسر عرفات القيادة العسكرية لعقد اجتماع بتونس، وبالتحديد مقرّ "القوّة 17" في حمّام الشط. وبدأ أعضاء هذه القيادة من كبار الضباط يتوافدون على تونس، وبدأ شمعون بيريز رئيس الوزراء واسحاق رابين وزير الدفاع في ذلك الحين بدورهم في إعداد القوات الجويّة لقصف الإجتماع. وصل ياسر عرفات يوم 30 سبتمبر إلى تونس قادما من المغرب على متن طائرة الرئيس العراقي صدّام حسين، واتجه إلى حمّام الشط إستعدادا للإجتماع المقرّر الساعة التاسعة ونصف.

وفي مثل هذا اليوم غرّة أكتوبر 1985 قرّر عرفات تأجيل الإجتماع قبل نصف ساعة من الموعد إلى المساء لأن عدداً من كبار الضباط لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية. واتجه رفقة كبار القادة إلى مدينة رادس القريبة من حمّام الشط لتقديم التعازي إلى عائلة وزير الدفاع التونسي الأسبق عبد الله فرحات والذي توفي قبل أيام. وبقي بعض أعضاء المنظمة في مقرّ القيادة للإعداد للإجتماع. علم رجال الموساد في تونس أن عرفات أجل الاجتماع وغادر منطقة حمام الشط، لكن الطائرات الإسرائيلية كانت قد اقتربت من الشواطئ التونسية بقدر يستحيل معه إلغاء العملية. وفي العاشرة تماماً، انهالت ستة صواريخ على مقر قيادة الأركان الفلسطينية والتي كانت تستأجر منزلاً في منطقة حمام الشط فأزالته تماماً عن الوجود، كما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر ياسر عرفات ومكتبه والمقر الخاص بحراسته، ليسقط في هذه الغارة 68 قتيلا وأكثر من 100 جريح من فلسطينيين وتونسيين. أدّت العمليّة حسب التقرير الرسمي للسلطات التونسيّة إلى مصرع 50 فلسطينياً و18 مواطناً تونسياً وجرح 100 شخص، وخسائر مادية فادحة.

أعلنت إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عن تلك الغارة فور وقوعها، مشيرة إلى أنها قامت بها "في إطار حق الدفاع عن النفس"، وأعلنت وسائل الإعلام الصهيونيّة القضاء على جميع القادة الفلسطينيين وعلى رأسهم ياسر عرفات، قبل ظهوره أمام الكاميرات مساء ذلك اليوم. وباركت الولايات المتحدة الأمريكيّة ما حصل بعد ربع ساعة فقط من الغارة على لسان لارى سبيكس الناطق الرسمي للبيت الأبيض. وأدان رئيس الوزراء الإيطالي بتينو كراكسى إسرائيل بلهجة قاسية جداً وقال إن إيطاليا مصممة على استعمال حقها لمعرفة ما إذا كانت طائرات واشنطن قد استخدمت الأراضي الإيطالية لتزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود.

أما في تونس فلم يعلم الشعب التونسي بالخبر أوّلا إلّا من القناة الإيطالية الأولى التي كانت تبث في تونس. وبعد ساعة من الغارة الإسرائيلية أعلنت إذاعة تونس النبأ على النحو التالي : " طائرات مجهولة الهوية قامت بقصف مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط ". أما الوزير الأوّل التونسي محمّد مزالي فقد علّق على هذه الحادثة بعد الغارة في حديث بثه التلفزيون التونسي ,مبرّرا عدم تصدّي الجيش اللتونسي للطائرات الصهيونيّة قائلاً : " لو خرجت الطائرات التونسية لاصطادتها الطائرات الإسرائيلية مثل العصافير ". أمّا ديبلوماسيّا فقد استدعى الرئيس السابق الحبيب بورقيبة السفير الأمريكي في تونس , بيتر سيبستيان، وأبلغه غضبه الشديد، واستعمل وزير الخارجيّة السابق الحبيب بورقيبة الإبن علاقاته الجيّدة مع كبار الساسة الأمريكان لسحب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.
فبعد أيام قليلة اجتمع مجلس الأمن وصوّت بالأغلبية الساحقة لفائدة تونس وأمسكت أمريكا على التصويت لأول مرة في التاريخ ضد إسرائيل. غير أن هذه السحابة لم تمر بهدوء , ولم يتم تجاوزها إلا في فيفري 1986 عندما قام جورج بوش , نائب الرئيس الأمريكي حينها بزيارة قصيرة لتونس , فسوى الخلاف بتقديم مساعدات عاجلة , لتحديث أسلحة الجيش التونسي.
أمّا شعبيّا، فقد كانت ردة الفعل التونسية قوية، فعمت المظاهرات العاصمة التونسية وتوجهت إلى السفارة الأمريكية مطالبة بقطع العلاقات التونسية الأمريكية، وشهد مستشفى شارل نيكول أكبر عملية تبرع بالدم، وكان كل تونسي يريد التعبير بأي شكل عن انتمائه وتضامنه وتعلقه بالقضية الفلسطينية وأقبل أصحاب الجرافات من المواطنين ليتبرعوا بالعمل تطوعاً لإزالة الأنقاض.

لم تعتذر دولة الإحتلال الصهيوني إلى اليوم على مجزرتها في حق الدولة التونسيّة والشعبين التونسي والفلسطيني، بل واصلت اختراق السيادة التونسيّة بقتل خليل الوزير (أبو جهاد) سنة 1988 في مدينة قرطاج، وصلاح خلف (أبو إياد) واثنين من القادة في نفس المدينة سنة 1991. وكانت الغارة على حمام الشط أكبر ضربة تلقتها منظمة التحرير الفلسطينية، فلو نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها لأزالت كل القيادة العسكرية الفلسطينية عن الوجود دفعة واحدة.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 148460


babnet
All Radio in One    
*.*.*