الأستاذة الجامعية آمال القرامي: "هل بإمكان الأكاديمي المُثقف الناشط المُتكلم أن يُسمع اليوم؟
انتظم أمس الجمعة 11 أكتوبر 2024 بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة الدرس الافتتاحي للسنة الجامعية 2024/2025 وقدمت خلاله أستاذة الحضارة والدراسات الجندرية ، آمال قرامي، ندوة بعنوان "هل يستطيع الأكاديمي أن يتكلم؟".
وفي إجابة عن سؤالها المركزي "هل يستطيع الأكاديمي أن يتكلم ؟" قالت قرامي إن من يملك القدرة على الكلام هو الأكاديمي المثقف الناشط والملتزم بإنتاج معرفة، لتختتم درسها بدعوة للتفكير من خلال سؤال جديد وهو: "هل بإمكان الأكاديمي المُثقف الناشط المُتكلم أن يُسمع اليوم ؟"
وفي إجابة عن سؤالها المركزي "هل يستطيع الأكاديمي أن يتكلم ؟" قالت قرامي إن من يملك القدرة على الكلام هو الأكاديمي المثقف الناشط والملتزم بإنتاج معرفة، لتختتم درسها بدعوة للتفكير من خلال سؤال جديد وهو: "هل بإمكان الأكاديمي المُثقف الناشط المُتكلم أن يُسمع اليوم ؟"
وانطلقت آمال قرامي في تقديم محتوى محاضرتها من أهمية دور من يمتلكون المعرفة في التأثير على الرأي العام العالمي مذكرة بمثال الأكاديميين الغربيين بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وما نظموه من ندوات وإرساء مخابر بحث رابطة هذا المثال بمواقفهم من الحرب على غزة.
دعت آمال قرامي إلى الاحتكام لحاضر القضية وواقع فلسطينيي اليوم والأدباء والمفكرين الذين زُهقت أرواحهم في الحرب خلال تناول الموضوع، مشيرة إلى أن التعامل مع الفلسطينيين لا يجب أن ينبني على فكرة كونهم أرواح مجردة وإنما هي شخصيات ضمن واقع يتضمن كل مقومات المقاومة داعية إلى ضرورة مقاومة النسيان من خلال مشروع فكري تنويري شامل مشددة على أهمية ترجمة المعارف المناصرة للقضية الفلسطينية باعتبارها فعل مقاومة. كما دعت إلى فك الارتباط بالمنجز الفكري المركزي الاستعماري والانفتاح على الواقع المحيط حتى تكون الإنسانيات أكثر ارتباطا بالواقع الاجتماعي والثقافي مع أهمية العمل على الأرشفة.
ويتماشى خيار قرامي لطرح سؤال "هل يستطيع الأكاديمي أن يتكلم؟" مع سؤال طرحته سابقا الباحثة الهندية في الدراسات ما بعد الكولونيالية SPIVAK ومفاده "هل يستطيع التابع أن يتكلم؟" وهو ذات السؤال الذي طرحه المفكر الإيراني حميد الدباشي في أحد مقالاته حين تساءل "هل يستطيع غير الأوروبي أن يفكر؟".
وبهذه المناسبة تساءلت قرامي أيضا "أين نحن من جغرافيا المعرفة؟ مالذي يحدث في العالم ؟وأين نحن منه وكيف يمكن أن نكون جزءا ولا نبقى على هامش الهامش؟" وقدمت مجموعة من الانتاجات الفكرية التي كُتبت باللغة الانجليزية وتتناول موضوع انخراط المثقف في طرح القضايا الإنسانية مبينة أن الكتابة في مثل هذه القضايا تتطلب أن يكون المثقف ملما بالعديد من الجوانب المعرفية لا أن يكتفي بالاختصاص الدقيق وكمثال على ذلك قدمت الأعمال النقدية لناعوم تشومسكي المتخصص في اللسانيات والملم بالجغرافيا والتاريخ والمنفتح على عديد المقاربات النقدية.
ومن ضمن الانتاجات الفكرية التي طُرحت، مؤلف بعنوان " Where Have All the Intellectuals Gone؟ أين ذهب كل المثقفين ؟ (2004) لعالم الاجتماع الهنغاري البريطاني FRANK FUERDI الذي يطرح من خلاله مصطلح "التسطيح" وتحويل الأكاديميين إلى موظفين في مقابل إبراز فئات أخرى وهو ما ساهم في تحويل الجامعة إلى فضاء يضم أكاديميين مهنيين معتبرا أن المثقف الحقيقي أصبح مهددا بالانقراض.
وقد اعتمدت قرامي على التعريف الإجرائي للأكاديمي (حسب المعاجم) وهو المرتبط بالمؤسسات الجامعية مشيرة إلى أن الدرس يهتم بصنف الأكاديمي المثقف نظرا للإشكاليات التي يثيرها مصطلح المثقف في سياق الذكاء الاصطناعي و التطور التكنولوجي. مبينة أن هذا العمل يتموقع ضمن دراسات ما بعد الاستعمار التي تبحث في بنى الهيمنة وحضور الفكر الاستعماري في مختلف الخطابات وأنه يدرس خاصة الانتاجات الفكرية للذين يكتبون باللغة الانجليزية والذين علا صوتهم بالحديث عن دور المثقف مبينة أن أغلب ما طرحوه يتحدث عن علاقة المثقف العربي بالسلطة أو تحليل المدونات وهو ما لا يتماشى مع ديناميكية بناء المعرفة في ظل اختلاف منظومة القيم اليوم حسب تعبيرها مؤكدة على أن من يمتلك اللغات يستطيع أن يتموقع علنا ويتكلم ويُسمع.
و في هذا السياق تطرقت آمال قرامي إلى مسألة كيفية إنتاج معرفة محلية بديلة وقادرة على التموقع في السياق العلمي العالمي مقدمة بعض النماذج التي يمكن الاحتذاء بها على غرار ناعوم تشومسكي المعروف بمساندته لمختلف القضايا العادلة وتحديدا القضية الفلسطينية وكيف يتعمد في كل كتاباته وحواراته أن يستعمل مصطلحات دقيقة تحمل الكيان الصهيوني مسؤولية الجرائم التي يرتكبها مرتكزة على إلحاحه على ارتباط اللغة بالسلطة كما قدمت مثال جوديث باتلر والعديد من المفكرين الغربيين الذين تكلموا عن القضية الفلسطينية.
ومن أهم المثقفين العالميين الذين آثروا الحديث بدل الصمت في سياق حرب الإبادة الكاتب الإيراني حميد الدباشي،وهو تلميذ ادوارد سعيد ، حيث نقد الفيلسوف الألماني هابرماس الذي عبر عن مساندته اللامشروطة ل"إسرائيل " ،دون حرج ايتيقي، وصهيونيته العنيفة متسائلا حول كيفية اعتماده مستقبلا في المشاريع الفلسفية.
ربطت قرامي سؤال الدرس المركزي بثنائية الصمت والتصميت متحدثة عن الصمت في صيغة الجمع ومشيرة إلى تعدد أنواعه ودلالاته وفضاءاته وبلاغته ورموزه لتصل إلى مصطلح التصميت في ارتباطه بمسألة الخوف الذي قد يدفع الأكاديمي لعدم التعبير عن موقفه كما تناولت إقبال الأكاديميين على الأعمال والدراسات مدفوعة الأجر التي حولت الجامعة إلى فضاء غير قادر على إنتاج أكاديميين يتمتعون بحس نقدي وهو موضوع مقال علمي للمفكر الصيني Chongyi Feng وعنوانه The Death of the Concerned Intellectual" الذي بين فيه إفلاس الأكاديميين فكريا وخضوعهم إلى بنى الهيمنة وفقدان القدرة على إعلاء الصوت في مقابل هوسهم بتحقيق الرتب المهنية دون الاكتراث للإنتاج العلمي الملتزم مما ينبؤ بمأسسة الجهل على حد تعبيره.
وحول سياسات التصميت الغربية تحدثت آمال قرامي عن زيارتها لمجموعة من المكتبات الجامعية بألمانيا بعد بداية حرب الإبادة على غزة إذ لاحظت سحب الكتب والمراجع من الأركان المخصصة لدراسات الشرق الأوسط وفلسطين. ومن ضمن سياسات التصميت الأوروبية أيضا تطرقت إلى مصادرة الجامعات الغربية للحق في تدريس القضية الفلسطينية مبينة أن صمت الأكاديميين العرب المقيميين في الدول الغربية مرتبط بهشاشة أوضاعهم الاقتصادية وإمكانية طردهم من العمل في حال الكلام. وهنا بينت أن الأكاديميين الذين تكلموا في سياق حرب الإبادة يتموقعون في أعلى هرم التراتبية الأكاديمية العالمية وتُرجمت أعمالهم إلى عديد اللغات ومع ذلك فإن تعبيرهم عن آرائهم كانت له تبعاته على غرار توقف أنشطتهم وسحب جوائزهم ووضعهم على القائمات السوداء.
هذا الدرس الافتتاحي الأول الذي تقدمه أستاذة (امرأة) في تاريخ كلية الآداب بمنوبة منذ تأسيسها مثل فرصة لآمال قرامي للدعوة إلى اعتماد التناصف في تقديم الدروس مستقبلا مثمنة هذه المبادرة الأولى التي اتخذها عميد الكلية. وللإشارة فإن الدروس الافتتاحية هي عرف أكاديمي متواجد في الجامعات الكبرى المختصة في الآداب والإنسانيات والحقوق وغيرها ويقدم من خلالها أحد أساتذة الكلية موضوعا فكريا راهنيا من زواياه المختلفة وهي عبارة عن تظاهرات ثقافية مفتوحة أمام المهتمين بالشؤون الثقافية والأكاديمية.
وفي افتتاح هذه التظاهرة طرح عميد كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، المنصف التايب، سؤال "هل يستطيع الأكاديمي أن لا يتكلم؟" رابطا السؤال بموضوع الدرس وهو تعبير الأكاديميين عن أرائهم إزاء ما يحدث في فلسطين، مشيرا إلى الدور المفصلي للمثقف في كشف الحقائق التي يحاول الإعلام العالمي طمسها في سياق حرب الإبادة
و قد قدم الندوة الأستاذ في الحضارة العربية هشام الريفي الذي عاد على تاريخ الدروس الافتتاحية في كلية الآداب بمنوبة منذ تأسيسها والتي آمن درسها الأول توفيق بكار من خلال محاضرة في الأدب في حين كان الدرس الثاني لعبد المجيد الشرفي الذي قدم موضوع "السلفية والسلفية الجديدة". كما تضمن تقديمه ربطا بين موضوع درس قرامي وأول مؤتمر أنجز في تاريخ الكلية حول دور المثقف في المجتمع مشيرا إلى أنه يتماشى مع مسألة قدرة الأكاديمي على الكلام.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 295706