![](/images/3b/bbcheaderart.jpg)
"أخاف المرور بجانب أي سيارة"، لماذا تشهد مدينة منبج السورية تفجيرات متكررة؟ Bookmark article
بات حسين يشعر بالخوف كلما مر بجانب سيارة، بعدما قضت زوجته في تفجير سيارة مفخخة وُضعت بالقرب من ورشة الخياطة التي تعمل بها في مدينة منبج شمالي شرق سوريا.
قُتلت زوجة حسين وست نساء أخريات في التفجير الذي وقع نهار السبت الأول من فبراير/ شباط الجاري، بينما نجا اثنان من أطفاله، وأصيب الأصغر بحروق في يديه وقدميه، ويعاني الطفل الأكبر من صدمة عميقة إثر الحادث.
التفجير الذي أودى بحياة زوجة حسين هو أحد سبع تفجيرات على الأقل، نُفذت بسيارات مفخخة في مدينة منبج السورية منذ سقوط الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وباتت المدينة المهمشة الواقعة في ريف محافظة حلب، واحدة من أكثر المدن اضطراباً في سوريا ما بعد الأسد، إذ تعد نقطة التماس المباشرة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المكونة من الأكراد بشكل أساسي، والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وبين قوات الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والموالي للإدارة الجديدة في دمشق.
الرعب يسيطر على المدينة
ما أن تتجول في شوارع منبج حتى تلتقط مشاعر الخوف التي تسيطر على الجميع، فأغلب المحال التجارية مغلقة، ويبدو القلق والترقب بوضوح في أعين الجميع.
في منزله الذي انقطعت عنه المياه والكهرباء منذ شهرين، يقول لنا حسين إنه لم يخبر بناته الصغيرات بعد عن مقتل أمّهن، وكلما سألن عنها، يقول لهنّ إنها ما زالت في العمل.
ويضيف أن "الرعب صار يسيطر على منبج كلها؛ كلنا نسأل لماذا نحن، لسنا منطقة عسكرية وليس لنا أي علاقة بالحروب، كلنا مدنيون، لماذا ينفذون تفجيراً قرب مشغل خياطة به نساء وأطفال، ما ذنبهم؟".
وبمجرد أن ذكرنا تفاصيل الحادث، حتى أجهش محمد - الابن الأكبر - بالبكاء.
نجا محمد من التفجير، إذ خرج من ورشة الخياطة قبل انفجار السيارة بدقائق، ويقول لنا إنه ظل يبحث عن جثة والدته بين الجثث المحترقة ولم يعثر عليها.
ويضيف: "حين خرجت من الورشة انهار شيء فوقي رأسي، وحين استفقت وجدت كل شيء مدمراً من حولي، وجدت ثلاث نساء يحترقن أمامي، اعتقدت في بادئ الأمر أن إحداهن هي أمي، لكن تبينت أن أمي لم تكن بينهن. وجدت أخي الأصغر وكانت يداه وقدماه تحترقان، حاولت مساعدته، وواصلت البحث عن أمي، لكني لم أعثر عليها حتى جاء الدفاع المدني".
- 15 قتيلاً على الأقل بانفجار سيارة في مدينة منبج السورية، والرئاسة تصف التفجير بالعمل "الإرهابي"
- كييف تحث دمشق على طرد القوات الروسية، واشتباكات بين "قسد" وفصائل مدعومة من تركيا في منبج وسد تشرين
![عنصر في الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" يعمل في أعقاب انفجار سيارة مفخخة في منبج](https://ichef.bbci.co.uk/news/raw/cpsprodpb/2384/live/3f9c55a0-e71e-11ef-a819-277e390a7a08.jpg.webp)
وتشهد منبج صراعاً منذ سنوات بين أطراف مختلفة للسيطرة على المدينة، فهي تعتبر نقطة الوصل بين مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها القوات الكردية، ومناطق الغرب التي تسيطر عليها الفصائل الموالية للإدارة السورية الجديدة.
ورغم توقف الحرب في أغلب المدن السورية بعد سقوط حكم بشار الأسد، وسيطرة فصائل المعارضة على دمشق، لا يزال القتال مستمراً على أطراف منبج بين قسد وقوات الجيش الوطني السوري.
تبعد المدينة نحو 30 كيلومتراً عن الحدود التركية، وهي نقطة محورية في الصراع بين تركيا والمجموعات الكردية، كما أن لتركيا نقاط تمركز عسكرية عديدة في المدينة ومحيطها، إذ تعتبرها خط الإمداد الرئيسي للقوات والجماعات الكردية في شرق الفرات، التي تصنفها أنقرة كمجموعات إرهابية.
على الجانب الآخر، تقاتل القوات الكردية للسيطرة على المدينة، التي تمثل ممراً اقتصادياً هاماً لهم، ودحض ما تصفه دائما في بياناتها بـ"الاحتلال التركي" للمنطقة.
التفجير الأكثر دموية
![منظر من موقع بعد انفجار قنبلة مزروعة داخل سيارة في شارع في منبج](https://ichef.bbci.co.uk/news/raw/cpsprodpb/1343/live/cbc555f0-e71d-11ef-bbef-3d3df31759c2.jpg.webp)
كان نهار الثالث من فبراير/ شباط الجاري، الأكثر دموية في منبج بعد سقوط الأسد، إذ انفجرت سيارة مفخخة بجانب سيارة كانت تقل عاملات بالزراعة، ما أسفر عن مقتل 20 امرأة على الأقل، وإصابة نحو 20 آخرين.
وفي مخيم رسم الأخضر شرقي مدينة منبج، التقينا مريم وعايدة، وهما سيدتان ناجيتان من الانفجار، وقالتا لبي بي سي إنهما تشعران برعب شديد، وباتتا تخافان من ركوب السيارات مجدداً.
تعيش عايدة في هذا المخيم منذ تسع سنوات، تقول لنا إنها اعتادت أن تركب سيارة مع العشرات من نساء المخيم يومياً للذهاب إلى عملهن في مزرعة قريبة: "في الطريق كنا نحكي ونضحك، صار الانفجار ولم أشعر بشيء"، تقول لنا عايدة بصوت بالكاد يُسمع من فرط الألم: "حين أفقت في المستشفى، رأيت صديقاتي متوفيات".
باتت عايدة تخاف الخروج مجدداً، تقول "لم يعد هناك أمان، لن أذهب إلى العمل مرة ثانية، أشعر بالرعب، حتى إذا كنت بحاجة إلى العمل، لن أذهب مجددا".
وفي خيمة قريبة بالمخيم ذاته، تمددت مريم غير قادرة على الحركة إثر إصابتها في الانفجار، تقول لنا إن يديها أصيبتا لدرجة ستجعلها عاجزة عن العمل مجدداً، لكنها لا تملك خيار عدم الذهاب إلى العمل.
وتضيف: "أريد أن أعمل، حتى لو كنت خائفة، لكن سأبحث عن عمل آخر في مكان قريب".
من وراء التفجيرات؟
![عنصر في قوات الجيش الوطني السوري يطلق النار في جنوب شرق حلب خلال اشتباكات مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني](https://ichef.bbci.co.uk/news/raw/cpsprodpb/815e/live/ed659f70-e71e-11ef-bd1b-d536627785f2.jpg.webp)
يتبادل الطرفان المتنازعان على المدينة الاتهامات حول المسؤولية عن هذه التفجيرات، فقوات الجيش الوطني السوري تتهم قوات سوريا الديمقراطية بإرسال السيارات المفخخة إلى داخل المدينة، وتقول إنها أجرت تحقيقات تُثبت ذلك.
في حين تنفي قوات سوريا الديمقراطية هذه الاتهامات، وتقول إن التفجيرات من تنفيذ القوات المدعومة من تركيا التي تسيطر على المدينة بهدف ترويع الأهالي ومنعهم من الاحتجاج على الأوضاع المعيشية المتردية.
وخلال الخمسة عشر عاماً الماضية، تبادلت فصائل مختلفة السيطرة على المدينة، ففي عام 2014 وقعت المدينة تحت سيطرة الجيش السوري الحر الذي يعرف حاليا باسم "الجيش السوري الوطني"، لكن سرعان ما انتزعها تنظيم الدولة الإسلامية، ليسيطر مقاتلوه على المدينة لأكثر من عامين.
وفي عام 2016، بسطت قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على المدينة، بدعم من قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي قادته الولايات المتحدة، وبقيت المدينة تحت سيطرتهم حتى ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حين استعادت قوات الجيش الوطني السوري السيطرة على المدينة.
لا إمكانيات لتأمين المدينة
وما بين النزاع على المدينة والاتهامات المتبادلة، تصارع الإدارة الجديدة في المدينة لبسط الأمن، ومنع مزيد من السيارات المفخخة، بعد أن أودت حوادث التفجيرات خلال الشهرين الماضيين بحياة نحو ثلاثين من أبناء المدينة وإصابة العشرات.
ويقول أبو حسن الثوار وهو قائد عسكري بالجيش الوطني السوري في مدينة منبج لبي بي سي، إنهم لا يملكون أي إمكانيات لبسط الأمن سوى خبرة مقاتليهم: "إمكانياتنا أقل من الصفر، فنحن في بداية تأسيس دولة، حالياً نفحص السيارات بالأعين، وبخبراتنا الأمنية والعسكرية".
أغلب المسؤولين الجدد عن المدينة كانوا من المهجرين خارجها منذ عشر سنوات، منذ سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة عليها في عام 2014، ومن بينهم القائد العسكري الذي تحدثنا إليه.
ويضيف أن "الحياة في المدينة تحت الصفر لا ماء ولا كهرباء، سبل الحياة كلها شبه معدمة، والخوف يسيطر على الجميع، الأهالي باتوا يخافون أن يرسلوا أطفالهم إلى المدرسة".
وانقطعت المياه والكهرباء عن منبج منذ نحو شهرين إثر عمليات القتال والقصف المستمرة في محيط سد تشرين، أحد أكبر السدود السورية، والمسؤول عن تزويد المدينة بالماء والكهرباء.
![صورة لموقع بعد انفجار سيارة مفخخة ما أدى إلى مقتل 17 شخصاً على الأقل وإصابة 15 آخرين في منبج](https://ichef.bbci.co.uk/news/raw/cpsprodpb/3e8e/live/7246f4f0-e71f-11ef-9230-99a906cd238b.jpg.webp)
بين خوف التفجيرات ومرارة النزوح
التفجيرات المتكررة والوضع المعيشي المتردي دفع الكثيرين إلى مغادرة المدينة أو التفكير والتخطيط لمغادرتها.
تمتد جذور عائلة نصر الدين في منبج إلى نحو 250 عاماً، أما الآن بات يخطط للخروج من المدينة إلى دمشق خشية على حياة أحفاده.
ويقول لبي بي سي: "نعيش في حالة من الرعب الآن، أسوأ من الحرب، في وقت الحرب، كنا نسمع صوت الطيران قبل أن يقصفنا، كنت أدخل أولادي إلى المنزل، أما الآن لا يوجد فرصة لأحمي أولادي وأحفادي لأني لا أعرف ماذا سينفجر في أي لحظة".
فقد نصر الدين ثمانية من أفراد عائلته خلال الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ويقول إنه "في وقت الحرب لم أفكر في المغادرة، أما الآن أصبحنا نعيش في كابوس اسمه مفخخات يمكن أن تنفجر بجانبنا في أي مكان وفي أي زمان، الخوف يساور كل من في المدينة".
ويتمنى أهل منبج أن يأتي يوم ينعموا فيه بالأمان، فبعد نحو خمسة عشر عاماً من المعارك، وتبادل سيطرة مختلف الفصائل على المدينة، لا يزال مستقبلهم يكتنفه الغموض، ويخيم عليه الخوف من المزيد من التفجيرات والموت والدماء.
- مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية "جامعة يقودها السوريون"، والولايات المتحدة تعلن تمديد الهدنة بين تركيا ومقاتلي قسد في منبج
- تفاعل واسع بعد اعتقال عاطف نجيب، المتهم بـ "قتل الطفل حمزة الخطيب"
- بين آمال كبيرة وحرية منشودة، كيف ترى السوريات واقعهن تحت الإدارة الجديدة في سوريا؟
![](/images/bbcfooterart.jpg)