سامحني نشغل

<img src=http://www.babnet.net/images/imgfes/ichaiech.jpg width=100 align=left border=0>


إذا كنت تتجول في مدينة تونس, في شارعها الكبير أو أزقة الحي العتيق, في حاراتها الشعبية أو ريفها الجميل, فلن يقطع انسجامك مع ذاتك ومشاغلها سوى سؤالين من أحد المارة: (خويا قداش الوتت), كم الساعة أو سامحني نشغل من فشلك...) تفطنت بلديات تونس لهذه الحاجة الشعبية فزينت وسط ساحات المدن بساعات عملاقة, ترشد السائلين, ولكنها عجزت عن تلبية المطلب الجماهيري الثاني... فأغضبت الناخبين لأعرض تجمع شعبي وحزب غير سياسي في تونس, حزب المدخنين الذي يقارب عدد أعضاء الـ3.5 مليون ساكن من اجمالي ما يناهز 10 ملايين تونسي.

وأبرزت دراسة طريقة أجراها المعهد القومي للإحصاء بأن كل تونسي ينفق سنوياً 175 مليماً في المعدل عند الذهاب الى الحمام الشعبي (التركي), وقرابة نصف دينار في قاعات السينما 25 مليماً لاقتناء كتب المطالعة, و1.400 مليماً (دولار واحد) في السنة لشراء الصحف والمجلات و17 ديناراً للمشروبات غير الغازية (الكحولية) و90 ديناراً من أجل السيجارة. ليضيف الدكتور محمد الأخضر الشابي الأستاذ الى كلية الطب في تونس أرقاماً تنذر بغمامة سوداء في سماء تونس الخضراء: فمن اجمالي 3.5 مليون مدخن في البلد 1.7 مليون أعمارهم تتراوح ما بين 15 و24 عاماً. وبأن 27.7 في المئة من تلاميذ الثانويات منهم 34 في المئة من الفتيات يدخّم و20 في المئة من المراهقين (يتكيفون) السيجارة وطفل من 10 يدخن, وينتظر ان يصبح هذا الرقم في العام 2020 طفل من 5.


...

ويؤكد الدكتور الشابي بأن السجائر تخلف مليون اصابة بأمراض مزمنة وحصد 15 ألف تونسي كل عام بمعدل يومي يقارب الـ41 وفاة مما يجعلها في صدارة أسباب الوفاة قبل المخدرات وحوادث السير والكحول والسيدا وخطر قومي يهدد الأمة في قاعدتها الحية أي الطفولة والشباب, إذ كشف بأن عدد المدخنين في سن 14 عاماً ارتفع من 10.4 في المئة عام 1980 الى 23.1 في المئة عام 1994 مع اضافة نقطتين أو ثلاثة في عام 2002 في أفضل التقديرات.


عرف التوانسة التدخين في القرن الـ16 مع أولى موجات المهاجرين من الأندلس. وتعززت هذه العادة واتخذت بعداً اجتماعياً مع الأتراك فانتقلت من الأعيان الى العامة. في بداية القرن الماضي ارتبط (البوحشيشة) أو السيجارة بأجواء (القعدة) والكيف مع القهوة العربية في عالم الرجال المغلق, وكان شربها أمام الآباء أو المعلمين من أعظم الكبائر. سيدات المجتمع المخملي أو (البلدية) كن لا يجدن غظاظة في تقبل سيجارة (للمتعة) في لحظة اختلاء مع أزواجهن ولكنهن كن يعانين الأمرين (من حشيشة رمضان) حيث يصوم الرجال عن الشرب والطعام والسجائر... فيحدث الطلاق في لحظة غشب قاعدتها نقص في الأوكسيجين أو النيكوتين... الزعيم بورقيبة أقلع عنها بعدما مددت (آلة صنعته) كما قال واكتشافه مرضاً في فمه جسره الأول نحو الجماهير العريضة, غادرها الرئيس بن علي قبل سنوات حباً في الحياة, ولكن (السيقارو) كما يطلق عليه في تونس أصبح جزءاً من هوية التونسي.


قال طارق (17 عاماً) طالب ثانوية المنزه السادس الراقية, بأن أقذع شتيمة وأثقلها على النفس من زملائه هي كلمة (نسي) و(طافي) يمتلك طارق كل شيء تقريباً. كامل الأوصاف جسدياً, وفر له والده أسباب الراحة المالية, هاتف نقال وحاسوب في البيت ومصروف جيب ولكنه أحس بالأرض تدور من حوله يوم نعته زميله (محسن) بتلك الكلمة, عندما أسرّ له بأنه لم يتذوق بعد طعم السيجارة. فهذه الكلمة تحمل في المخيلة العامة مدلولات ترتبط بالعجز خاصة أمام المرأة. (أخذت (جبّدة) ونفساً أولاً فشعرت بالانتعاشة والنشوة, ضحكت صديقتي (صباح) في الأول عندما شاهدت السيجارة في فمي وأنا أسعل ولكن مع مرور الوقت, أتقنت كيفية تخزينها ثم نفثها عالياً في السماء. (المالبورو) هي المحببة التي بالرغم من الدوار الذي تحدثه في الصباح الباكر) فهنا محلة المنزه... وهناك للشعب الكريم (الكريستال) وهي السيجارة الشعبية الأولى في البلد التي كتب على أغلفتها في السبعينات نقاش مذكراته في السجن وأصدرها فيما بعد في كتاب بعنوان (كريستال) لم يترجم بعد الى العربية, فالفرنسية في تونس هي احدى وسائل التنصل من الرقابة. ليضيف طارق (في البداية كنت اشتري مع السجائر علبتين من الحلوى والنعناع التهمهما قبل الوصول الى البيت خوفاً من اكتشاف أمري أمام والدي... نهراني في لحظة الاكتشاف الصعبة, وقطع أبي لغة التواصل معي لأيام عدة... ولكن العاصفة سرعان ما مرت بسلام, فوالدي يلتهم المالبورو بعشق ووالدتي تشاركه في بعض الأحيان في جلستهما المعتادة بعد العشاء...).


وفي عالم الشبيبة تحفل السيجارة بطقوس وعادات خاصة (تفصلها) عن عالم الكهول (المدمنين), بشراء السجائر يتم عادة من كشك الصحف أو بائع الفواكه أو ما يسمى بـ(الحماص) في تونس, ويندر ان يشتري الشاب أو الشابة علبة كاملة بل بضعة سجائر عدّة اليوم الواحد. الأماكن المفضلة والمتاحة أمام المعاهد والثانويات, المقاهي المنتشرة هنا وهناك ومراحيض الفصول الدراسية أو ملاعب كرة القدم ومدرجاتها.


قالت منية (27 عاماً) وهي تستنشف (معسل) نرجيلتها بأن (الشيشة) (شمخة) ومتعة تتحسسها في كل نفس تجذبه وتتلذذها في كل صوت ينبعث في قاع الزجاجة المملوءة ماء. أما زميلتها (نادرة) فهي تعتقد بأن المسألة تتحدى الكيف والشيخة بعد أن أصبحت من المدمنات على النرجيلة أو الشيشة. لما ترى فيها من سلوى تساعدها على التنفس والترويج عن النفس وتستطيع بواسطتها افراز المكبوتات النفسية الدفينة, فالشيشة بالنسبة لها الصديقة في معظم معداتها وهي المؤنسة والمسيلة والساحرة التي بواسطتها تتحول عن حالة هم وغم الى ارتياح نسبي و(تعمير الرأس).


Chronique de Maher AJelil , AH

030220032660




   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 1204


babnet
All Radio in One    
*.*.*