قلبُ محمد الفايد لا يطاوعه أن يرحل عن الدنيا تاركا
قلبُ محمد الفايد لا يطاوعه أن يرحل عن الدنيا تاركا ملايينه، فقرر استنساخ نفسه كي "تستمتع" نسخته الجديدة بالفلوس المتلتلة، وفات عليه أن النسخة الجديدة لن تكون محمد الفايد، حتى لو كانت مطابقة له 100% جينيا وشكلا، أما الخواجة جيريكو البالغ من العمر 63 سنة، فقد استخسر أن يترك ثروته على ضآلتها النسبية لأقاربه، وقرر أن يشيد لنفسه مقبرة ضخمة وفخمة من طابقين بالمرمر والزجاج المقوى، وأنفق الآلاف على تشييدها، مستعينا بمعماريين أكفاء ومهندسي ديكور من الدرجة الأولى، وظل يتفقد القبر بانتظام مطالبا بإدخال تحسينات وتعديلات عليه، وقبل أيام قليلة عكف على إصدار الأوامر لعمال البناء لفعل هذا وترك ذاك، ثم قرر أن يلقي نظرة من فوق الطابق الثاني للقبر ليحدد مواصفات سقفه وشرع يؤشر بيديه: الجزء هذا من الرخام، وذاك بالسراميك.. وأريد رسومات لحوريات في الركن الأسفل؟ أين يا خواجة جيريكو؟ هناك يا غبي في تلك الزاوية، ثم انحنى ليحدد الزاوية وهوى أرضا ودق عنقه ورأسه على الرخام الصلب، ومات في القبر الذي كان يحلم أن يتباهى به وهو حي، ويقيم حوله حوض زهور قبل أن يدعو معارفه لـ"بروفة" دفنه بحيث تسير الجنازة بنسق يليق بالقبر الفخم.. والبقية معروفة فقد تم وضعه في صندوق خشبي زهيد الثمن لأن أقاربه لم يروا أن هناك ما يبرر إنفاق مال على تابوت غالي الثمن على رجل أراد أن يصطحب معه كل ثروته إلى الدار الآخرة.
عندما اقرأ عن سخافات وحماقات بعض الأغنياء أحمد الله كثيرا على أن ثروتي هي راتبي الشهري زائدا بعض الفتافيت التي تعود إلى من الكتابة الصحفية، ولاحظت أنه كلما تقدمت بي السنوات ازداد سخاء مع عيالي (أم العيال لا تنتظر تصريحا أو ترخيصا مني لتمارس السخاء)، صحيح أنني أفكر كثيرا في مآلهم ومستقبلهم وأسعى جاهدا كي أترك لهم شيئا يتكئون عليه حتى يشتد عودهم، ولكنني لا أجعل من ذلك ذريعة لحرمانهم من أشياء يحبونها وأنا بين ظهرانيهم، وأعرف مدى صعوبة الموازنة بين تلبية رغبات العيال، وتذكيرهم بحقيقة أن النعمة لا تدوم، أي عدم تدليلهم بحيث يعرفون أنه ليست كل طلباتهم مستجابة، وأن يميزوا بين الاستمتاع بما هو متاح وبين البطر والبذخ، وقد يوحي كلامي هذا بأن الأمور مبحبحة معي على الآخر!! هي بالفعل كذلك ليس لأن مواردي المالية كبيرة ولكن لأنني قانع بما عندي، وأتذكر إذ لحافي جلد ماعز وإذ قدماي حافيتان،... "كنا فين وبقينا فين!!" أتذكر أنني لم أذق الثلج ولم أره إلا في المرحلة الثانوية، وهاأنذا اليوم أشتري آيسكريم بالجردل، وكان اللحم في قريتنا يتوفر فقط في يومي "السوق": الاثنين والخميس، وكنت بعد أكل وجبة دسمة باللحم لا أغسل يدي كي أتباهى بين أقراني واعرض عليهم الدليل الدامغ على أنني أكلت لحما!! واليوم في ثلاجتي نحو خمسة كيلوجرامات من اللحم المجمد الذي لا أستطيع أن أجزم هل هو لحم كنجارو أو خروف عادي ملغوم بالهرمونات!
جعفر عباس
AW
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 1190