صنم البورڤيبية وجاهلية القرن الواحد والعشرين
بقلم منجي المازني
كان العرب في الجاهلية يعبدون الأصنام فكانت جل البيوت تتخذ لها صنما تصنعه أو تشتريه لتعبده على طريقتها. فهي تصنع الصنم أو الإله المزعوم ثم تتصور طريقة تعجبها تعبده بها أو قل تعبده على هواها الذي ليس له مدى. ولقد حدث أن بعض العرب صنعت لها إلاها من الحلوى تعبده وتتبرك به وعندما جاعت رجعت عليه وأكلته ثم أعادت صناعته من جديد لأنها لا يمكن أن تبقى بلا عبادة فلتكن إذا عبادة على حسب العرض والطلب وحسب الهوى والسبب وحسب المرحلة.
كان العرب في الجاهلية يعبدون الأصنام فكانت جل البيوت تتخذ لها صنما تصنعه أو تشتريه لتعبده على طريقتها. فهي تصنع الصنم أو الإله المزعوم ثم تتصور طريقة تعجبها تعبده بها أو قل تعبده على هواها الذي ليس له مدى. ولقد حدث أن بعض العرب صنعت لها إلاها من الحلوى تعبده وتتبرك به وعندما جاعت رجعت عليه وأكلته ثم أعادت صناعته من جديد لأنها لا يمكن أن تبقى بلا عبادة فلتكن إذا عبادة على حسب العرض والطلب وحسب الهوى والسبب وحسب المرحلة.
جاء في سيرة ابن هشام أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس ابن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا. وتكرر المشهد ثلاث مرات. حتى إذا طلع فجر الليلة الثالثة أتى الأخنس ابن شريق أبا جهل وقال له: يا أبا الحكم ما رأيك في ما سمعت من محمد ؟ فقال: ماذا سمعت: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه.
يعني أن كثيرا من أهل الحل والعقد في الجاهلية كما في زماننا هذا يعرفون الحقيقة ولكنهم لا يحبون أن يصدحوا بها حفاظا على مصالحهم الآنية وكبرا في أنفسهم التي أخذتهم إلى العزة بالإثم. وفي سبيل إخفاء هذه المصالح وإخفاء نواياهم الحقيقية يلجأون إلى التمسك بعبادة الصنم لأن الصنم له ميزتان أساسيتان فهو أولا يمثل آخر معقل يتحصن به هؤلاء وآخر ورقة يستخدمونها فيما لو لم يجدوا ما يوافق أهوائهم في مبادئ الدين الجديد أو الديمقراطية الجديدة. وثانيا وهو الأهم يشرع للناس ما يريدون منه. فإن كان الناس يريدون تدينا بلباس قصير أجاز لهم ذلك وإن كان الناس يريدون تدينا بلباس شفاف سمح لهم بذلك أيضا وإن كان الناس يريدون تدينا بدون لباس أجاز لهم ذلك بدون عتاب ولا حساب بل وشكرهم على شجاعتهم وتصدرهم للدفاع عن حرية الرأي والمعتقد. ألم يطوفوا بالكعبة حفاة عراة؟ وربما اتخذ القوم لأنفسهم عديد الأصنام لكل صنم طقوس يضبطونها على حسب الحاجة والزمان والمكان فتراهم ينتقلون من صنم إلى صنم ويستبدلون صنما بصنم ووجها بوجه ومكرا بمكر وذلك لدواعي المرحلة والحاجة.
فبعض العرب في الجاهلية كما في زماننا هذا لا يريدون أن يكبحوا جماح شهواتهم الغير محدودة وغير مستعدين لتلقي أوامر ونواهي تحد من هذه الشهوات. فيتسترون وراء صنم يزعمون أنه الإله أو الملهم صاحب الحكمة المطلقة وينسبون كل ما يريدون فعله وممارسته إلى أوامر هذا الصنم أو الزعيم الذي نسجوا صورته في أذهان الناس بعد تسويق على مدى جيل وأجيال.
مع انقلاب المخلوع على بورڤيبة أدرك المصلحيون والنفعيون أن صنم بورڤيبة قد تحطم ويجب أكله فأكلوه وصنعوا للناس صنما آخر يكون أحق بالعبادة للمرحلة المقبلة. وفي حينها كتب الكاتب عثمان بن عثمان مقالا بجريدة المغرب العربي بعنوان مطلوب أحاديث نبوية يتهكم فيه على هؤلاء القوم الذين سوقوا لبورقيبة وجاءوا بأحاديث للرسول تمجد المنستير مسقط رأ س بورقيبة فقال : لكن الذي يهم فعلا وبشكل ملح ومؤكد أن ينكب هذا الباحث الدكتور أو غيره ممن على شاكلته أو ممن يأنس في نفسه الكفاءة والقدرة المعرفية على التراث والكتب القديمة ليمدنا سريعا بل ليسعفنا بأحاديث نبوية لرسول الله تحكي عن قادة السابع من نوفمبر وعن مسقط رؤوسهم قراهم ومدنهم التي ولدوا فيها لأنه ليس معقولا أن تكون المنستير التي جاء منها بورڤيبة قد ذكرتها أحاديث الرسول في حين تبقى بلدان زعمائنا الحاليين بلا ذكر. ولكي لا يحتار ولا يدوخ من يتجشم العناء أو يتصدى لهذه المهمة نقول له لا بأس عليه في أن ينشئ لنا من عنده أحاديث وينسبها للرسول .
وفي بداية سنة 2011 وثورة الكرامة والحرية والإطاحة بالدكتاتور أدرك الانتهازيون أن أيضا أن صنم السابع من نوفمبر قد احترق ولا بد من إيجاد صنم جديد للناس أو إعادة صناعة وصياغة صنم قديم في ثوب جديد فنظروا في الأمر مليا وفكروا ثم قدروا فلم يجدوا خيرا من إعادة إنتاج صنم البورڤيبية. فمنذ سنة تقريبا وبعد الثورة احتفل القوم بذكرى وفاة بورقيبة واليوم هب إلى المنستيرمسقط رأس الرجل عشرات الآلاف من الناس وعشرات الأحزاب والجمعيات ليعلنوا في حشد غفير ميلاد الجبهة الجديدة بزعامة الزعيم الاوحد الذي خرج من رحم البورقيبية إثر عملية قيصرية.
فمن خلال وقائع هذا التجمع يتبين للناس أن الرموز التي حضرت هذا الحشد الغفير هي رموز التجمع المنحل ومن لف لفهم وان الجماهير التي ساندت بالتنشيط والتصفيق هي أيضا جماهير التجمع المنحل ومن لف لفهم. ومن خلال هذه الملاحظة نخلص إلى الاستنتاج التالي :
كنا نظن أن الثورة التي قامت في البلاد على الفساد والاستبداد وعلى عبادة الأصنام والأشخاص قد هيأت المناخ لبعض الناس من تلقي الإشارة (واللبيب من الإشارة يفهم) ومراجعة تصرفاتهم وسلوكياتهم والاعتراف بأخطائهم وجرائمهم في حق البلاد والعباد. ومن ثم التوبة والابتعاد عن الأضواء وعدم الانخراط مستقبلا في منظومة الفساد والاستبداد والتفرغ إن لزم الأمر إلى العمل التطوعي والخيري. ولكن القوم أصروا على نفس التمشي بما يبين أنهم سيواصلون عبادة الأصنام ولكن من باب الديمقراطية التي سمحت لهم بالتعبير عن آراءهم بكل حرية رغم ما اقترفوه في حق هذا الشعب من جرائم من كل نوع. ففي الجاهلية الأولى تمكن بعض الناس من أمثال أبي جهل من استغفال كثير من الناس وصنعوا لهم أصناما وسوقوها لهم على أنها الآلهة التي لا تخطأ والتي تأمر فتطاع. ولكن في هذه الجاهلية كل الناس من رموز ومنظرين وجماهير يعرفون جيدا أنهم عندما يذهبون لإحياء تجمع يتم الإعلان فيه عن ميلاد جبهة جديدة تضم أغلب من كان منخرطا في دولة الفساد والاستبداد إنما يعلنون عن ميلاد صنم جديد لأنفسهم هم لأنهم بحكم طبيعتهم لا يستطيعون الابتعاد عن عبادة الأصنام ولا يستطيعون العيش بدون أصنام. فالصنم يمكن أن يكون في صورة اللات والعزى ويمكن أن يكون في صورة هوى متبع. قال الله تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23].
Comments
53 de 53 commentaires pour l'article 47714